ما فتح أبواب الشرق الأوسط أمام تركيا لتدخل إليه بترحيب حار من شعوبه هو رفض البرلمان التركي المشاركة في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية الحاكم كان مستعدا لمشاركة القوات الأمريكية الغازية والسماح لها باستخدام الأراضي التركية في ضرب العراق فإنه فشل في حشد التأييد الكافي لهذا الموقف في البرلمان. لذلك فإن قرار البرلمان التركي في أول مارس 2003 برفض أي دور لتركيا في الغزو الأمريكي للعراق فتح بابا جديدا أمام الحكومة لزيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة والتخلص من الصورة السلبية لتركيا منذ العهد العثماني. وقد أدت سياسة وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو بإنهاء أي خلافات مع جيران تركيا إلى تحسين العلاقات التجارية والاقتصادية مع سورية والأردن ولبنان مع الأمل في إقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأربع. هذه السياسة قامت خلال أقل من عقد من الزمن وهي الآن تمر بأوقات عصيبة بسبب خطأ الحساب في الموقف التركي من سورية. فإلى جانب المحاولات الإيرانية لمساعدة نظام الحكم السوري في البقاء فإن الاضطرابات وغياب الاستقرار في العراق يجعل مهمة تركيا أكثر تعقيدا. وقد أججت التطورات الأخيرة المخاوف من تحول المناخ السياسي الحالي في المنطقة إلى مواجهات طائفية وعرقية ستؤدي بلا شك إلى اضطرابات في تركيا. وقبل أن نناقش الموقف التركي من سورية، دعونا نحلل حالة التمرد في سورية وموقف المجتمع الدولي. المعارضة السورية ضعيفة ومنقسمة وعلاقاتها مع الثوار داخل سورية ليست قوية. الرئيس بشار الأسد نجح في السيطرة على البلاد بفضل جيشه القوي ومؤسساته المخابراتية ومن غير المعروف على وجه الدقة إلى أي مدى يمكن أن يظل الجيش السوري الحر قادرا على الوقوف في وجه بشار الأسد وآلته العسكرية. المجتمع الدولي يبدو مترددا في اتخاذ مواقف جادة يمكن أن تدفع بشار إلى التنحي. فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل لن يحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما الدخول في المستنقع السوري. والاتحاد الأوروبي بالكاد يجد لديه من الوقت والجهد ما يعطيه لسورية بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب القارة الأوروبية ككل. أما إسرائيل التي تستهدف بشكل أساسي إيران فمن غير المحتمل أن تفعل شيئا سوى الاستفادة من عدم قدرة نظام الحكم السوري على إثارة مشكلات لها في الوقت الحالي. وأخيرا فإن روسيا تواصل استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارات جادة تستهدف النظام السوري في مجلس الأمن الدولي. علاوة على ذلك فإن لا أحد لديه فكرة عن طبيعة المشهد السوري في فترة ما بعد بشار الأسد وما إذا كان المتطرفون هم الذين سيملؤون فراغ السلطة عند رحيله. في ظل هذه الصورة، تبدو تركيا الدولة الوحيدة التي تركز بشدة على الإطاحة بنظام حكم الأسد. فتركيا تتحدث عن ضرورة فرض حظر جوي على سورية وإقامة ملاذات آمنة للسوريين الفارين من بلادهم وتقود المجتمع الدولي في ممارسة المزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على دمشق باعتبار ذلك جزءا أساسيا من سياسة تركيا. وقد أحسنت تركيا صنعا عندما أعادت النظر في سياستها تجاه جارتها الجنوبية سورية قبل الاجتماع الثاني لأصدقاء سورية الذي عقد في مدينة اسطنبول التركية أول أبريل الحالي من خلال وضع الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السورية في مقدمة كل الخيارات الأخرى وبخاصة في ظل الأمل في نجاح جهود مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية لسورية كوفي عنان في الوصول إلى اتفاق بين الحكومة والمعارضة. *(حريات التركية)