- صدر ديوان «بعيداً عني.. قريباً منك» للشاعر العراقي يحيى السماوي، وقد بدأ بمقدمة جميلة عن الحب وشعراء الحب الرومانسي للأستاذ حسين سرمك حسن. جاء فيها أن «من هؤلاء الشعراء الذين تصدوا، وعبر أكثر من أربعين عاماً من مسيرته الشعرية، وبدءاً من أول مجموعة شعرية له «عيناك دنيا»، لمعالجة موضوعات الحب، والإنهام العميق والملتهب بالمرأة المعشوقة بتمظهراتها الوجودية كافة، بإيمان حقيقي وإدراك ثاقب، هو الشاعر يحيى السماوي، وتأتي مجموعته الأخيرة هذه بعيداً عني.. قريباً منك، لتؤكد نظرتنا هذه». «بعيداً عني.. قريباً منك» يختصر الأسماء في مآذن الضوء ترنيمة وباقة عبور، يسدلُ ضفائر النخلة ظلالاً لأريحيةٍ تسيّجُ يبابَ القلب برموش النرجس، ليس شعراً يذريه السماوي في صحراء عمره، ليس محراباً يفتح للجنة باب غلوائه، إنه ثغرُ القصيدة مذبوحاً على ضفاف القلب، وتفاحة السفح على وجنةِ الأسحار، إنه طبقُ الياقوت على صدر الحبية يغزل وشاحَ اللهفة على دروب العذارى. في ديوانه الجديد يسرج يحيى السماوي خيولَ الكلام، يعلن ولاءّه للروح، للوجد الدافئ، لأغنية السومري الذي أطلقَ سهامَ الجدائل ظلالاً للعصافير، فهو نورسٌ عراقي، هجعته الأطيار تفيءُ إلى أجفان قريحته، هناك يرمي الجسد المبلول ذاته فراشة ترفعُ رذاذ دجلة إلى سماء السماوة، وتغرف من ريق بغداد نيازكَ تشقُ الأديم لويلدَ عراقةُ الجديد من عينيّ حبيبةً عاشت على جمر الانتظار ومن همس فاتنةٍ تستمطرُ الكواكبَ درباً إلى قلب الشاعر، فيقول عن نفسه»: «جربت يوماً أن أكون سواي غير البالي كأن أكون الطئار الجوال والغجري لا وطن له غير الفضاء» ... «بعيداً عني.. قريباً منك» ليس اقربُ إلى الشاعر من خيمة تطوى على أرض الرافدين وليس أبعدُ من غجري لا وطن له غير الفضاء. يبهرنا صدر ديوان «بعيداً عني.. قريباً منكِ» برسمه الدائرة الدلالية الشعرية التي ستتفرع عنها دوائر أخرى، تتراوح معها خفاءً وتجليًا، وامتداداً وانحساراً، وهي دائرة تشكل ملامح «المخاطبة» الحاضرة بأسمائها وصفاتها، وروائع تجلياتها، ونمرجعيتها الروحية والذهنية، الغائبة والمقطع يسوق لنا جملة من ملامح هذه المخاطبة وصفاتها الفارقة، كما يسوق «اعترافاً صريحاً من الشارع بأ،ه -على الرغم من طول عشرته للحروف وامتلاكه نواصي المعاني -لا يستطيع أن يضع اسماً صريحاً «جامعاً مانعًا»، ليكون صفة لهذه الحبيبة التي «امتلكته» و»تماهى» بها على الأصعدة كافة؛ فيقول: «واهماً كنتُ بظنِّي أنّ لي أمْرًا على الحرفِ فإنْ ناديتُهُ أصغَى ولبَّى.. فإذا بي لم أجدْ في لُغتي إسمًا جديرًا بالتي قدْ ملكتني فتماهيتُ بها روحًا.. وقلبًا.. ومدادًا.. ومَدَدْ! بتُّ أدعوهَا «التي ليستْ تُسمى».. فهي الشيءُ الخرافيُّ الذي أعجز قاموسي فأطلقتُ عليه «اللا أحد» وهي الروح التي أوجدها الله على شكل جسد وهي اللحظة.. والبُرهة.. والدهر الأبد زقها الله لقلبي فاتحدنا.. منحتني شرف الموت.. وميلادًا.. ونهرًا.. وولدْ من دم الشعر وبيتا من حبور سقفه دون عَمدْ». فاعتراف السماوي هنا بعجزه عن أن يجد لكنه هذه الحبيبة المتماهي بها «اسما جديراً» يجمع كمالاتها ويكون قارداً على تشخيصها في الذهن، أو تمثيلها في الوجدان إنما هو في حقيقته «قمة الإدراك» و»ذروة المعرفة» لحقيقة هذه الحبيبة، بعد طول الاختبار والتجربة، وقديم المكابدات.