الشعور بمحبة الناس لك جميل، وجميل أن تعمل مع مجموعة لمدة ثلاثة أعوام دون أن تفقد منهم أحداً، دون أن تغضب منهم أحدا، دون أن تقصر مع أحد. جميل أن تجد من يُقدر جهدك ويعترف به. هذه قصتي مع زملائي أعضاء الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، إنها قصة جميلة ترسم صفحة بهية من صفحات حياتي الأكاديمية والعملية. وكل تلك التفاعلات التي ذكرت، والتي سوف أذكر، حدثت يوم الأربعاء الموافق 14-04-1433ه، يوم انعقاد الجمعية العمومية للجمعية السعودية للدراسات الأثرية في فندق المطلق، الرياض شارع المطار القديم. كنت يومذاك قد عزمت أمري على أن لا أرشح نفسي لمجلس إدارة الجمعية لفترة ثانية، وما كانت لدي الرغبة في ذلك حقاً. وقد أفصحت عن ذلك في كلمتي الافتتاحية التي كان القصد منها تسجيل شكري لصحيفة الجزيرة، ورئيس تحريرها سعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك، وصديقي الوفي الأستاذ يوسف بن محمد العتيق المشرف على صفحة الوراق الذي - للتاريخ أقول - كان السند الإعلامي للجمعية طيلة السنوات الثلاث المنصرمة؛ فهو الذي يكتب عن فاعليتها، وهو سفيرها في مؤسسة الجزيرة الصحفية، وهو مذلل صعوباتها الإعلامية والاجتماعية، ولضيوف اللقاء الذين جاءوا تقديراً للنجاحات التي حققتها الجمعية، فمنهم أصحاب القامات العلمية والإدارية الكبيرة، ومنهم عمداء الكليات، ومنهم أعضاء مجلس الشورى، ومنهم محبو الآثار والتراث والتاريخ. وإلى جانب أولئك شكرنا واجب للزميلات عضوات الجمعية، فكانت نسبة كبيرة من الحاضرات من عضوات هيئة التدريس في جامعة الأميرة نورة، وعضوات هيئة التدريس في قسم التاريخ في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، وزميلاتنا وطالباتنا في كلية السياحة والآثار. ولا يجب أن أنسى تقديم شكري لأستاذنا الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري الذي بعث بتسديد اشتراكه بالجمعية، تذكيراً لنا بأنه معنا، وتواصله هذا مفخرة لنا يجب أن نعلنها له أولاً ولغيره ثانياً. تلك تفاعلات جميلة، ومع جمالها، لم تكن قادرة على هزيمة رغبتي الجامحة بعدم الترشح لمجلس الإدارة لفترة ثانية، وهي الرغبة التي أعلنت عنها خلال كلمة الشكر التي ذكرت. أدرك أستاذنا الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي، عضو مجلس الشورى، بألمعيته المعهودة وجبلته على الخير رغبتي الصادقة بعدم التجديد لفترة ثانية في مجلس إدارة الجمعية، فانبرى للميكرفون بقدرته الخطابية وأسلوبه الإقناعي مخاطباً الحضور بالثناء على شخصي مطالباً باستمراري في مجلس الإدارة، وهو الشيء الذي أقدره له، وأقدر به أستاذنا العزيز. ومع شعوري بالدين واجب السداد الذي أنزله عليّ إطراء الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي ليّ، إلا أن الرغبة في الاستمرار أو الترشح من جديد كانت منعدمة عندي في تلك اللحظة، فكررت الإعلان بعدم رغبتي بالاستمرار أو الترشح من جديد من خلال طلبي من الحضور عدم المغادرة حتى يتم التصويت على مجلس جديد تنتقل إليه مسئوليات إدارة الجمعية، بل قلت لهم إن انتظارهم هو جميل يسدونه إلي. وبعد أن فرغت من حديثي انبرى مباشرة للحديث الأستاذ الدكتور سعيد بن فايز السعيد، عميد كلية السياحة والآثار في جامعة الملك سعود، وهو أستاذ أعزه وأقدره لصفات إيجابية كثيرة عرفتها فيه من خلال العمل معه في مواقع مختلفة، أنبرى بالحديث مطالباً الحضور بالتجديد للمجلس والتمسك به، ومعدداً لانجازات المجلس، ومتوقعاً منه المزيد. ونظراً إلى غياب بعض الأعضاء وجبت استقالة المجلس الذي كنت عضواً فيه، وباستقالته لزم إعادة انتخاب مجلس جديد، وكنت من بين الأسماء المطروحة للتصويت، فكانت النتيجة التي حصلت عليها هي ثلاثة وعشرون صوتاً. ولم يفضلني إلا الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي والأستاذ الدكتور مشلح بن كميخ المريخي اللذان حصل كل منهما على أربعة وعشرين صوتاً، أي أن الفارق بيني وبينهم صوت واحد. لقد أسعدتني هذه النتيجة جداً إذ دلّت على محافظتي على علاقتي بزملائي خلال الثلاثة أعوام التي كنت فيها رئيساً للجمعية، بالرغم من الاحتكاك العملي الذي عادة ما يسبب نوعاً من الخسارة، ولكننا لم نخسر أحداً ولله الحمد. وزاد من سروري اتفاق المرشحين الفائزين بمجلس الإدارة على أن أتولى رئاسة المجلس الجديد. انطباعات أردت أن أسجلها للتاريخ وأنشرها للعارفين، وأن أوثق من خلالها لذوي الفضل فضلهم، وأن أدون الشكر لمن استحق الشكر. فللجميع مني خالص الشكر والتقدير، وأعدهم بالاستمرار بالعمل الجاد والمثمر.