أكد معالي الدكتور محمّد عبده يماني رئيس مجلس إدارة صحيفة «الندوة» أن الخطوات الجارية حاليًّا لتطوير الجريدة تجد العون والسند من قِبل خادم الحرمين الشريفين، مبينًا أن جلالته قد قام بسداد ديونها المستحقة للعاملين الذين لم يستلموا حقوقهم على مدى 20 عامًا، مشيدًا في ذلك بالعناية الكبيرة التي تلقاها الجريدة أيضًا من قِبل الدكتور عبدالعزيز الخوجة وزير الثقافة والإعلام، مشيرًا إلى أنه وضع حقيقة «الندوة» كاملة أمام خادم الحرمين الشريفين، مبشّرًا بقرب صدور الجريدة في حلّة جديدة، نافيًا أي اتجاه بتغيير اسمها واصفًا إيّاه ب«الثروة الخاصة».. وأوضح يماني أن غياب الحرية وتشدّد بعض العلماء قد أسهم بشكل مباشر في تنفير الكُتّاب، وإخافتهم بسوط «التكفير»، مشددًا على ضرورة إشاعة الحرية حتّى يتطوّر الأدب في المملكة، ضاربًا لذلك مثلاً بما كان يتمتّع به المجتمع والمشهد الثقافي والفكري والأدبي في الحرمين الشريفين، وما يسدونه من احترام ووسطية بعيدًا عن التشدد والغلو. وأشار يماني كذلك إلى أن الفهم الخاطئ لدور المسرح، وربطه من قِبل البعض بمعاداة الدّين أضعف التجربة المسرحية السعودية، مشيرًا في ذلك إلى توقف مشروع أحمد السباعي منذ أول ليلة بسبب الوشايات، مقدّمًا وصفًا للمعارك الأدبية التي خاضها مع أبو عبدالرحمن بن عقيل، وإسهامه في إزالة الخلاف الذي نشب بين حمد الجاسر والعطّار بسبب الاختلاف حول مكان ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم.. أمّا عن كارثة سيول جدة فيؤكد يماني ما ذهب إليه إلى تسميتها ب«الكارثة الأخلاقية» قبل أن تكون كارثة طبيعية، مبيّنًا أن حبس الأفراد الذين يتم التحقيق معهم يعدُّ «كارثة أخرى» وتشويهًا لسمعتهم، داعيًا إلى التحقيق معهم علنًا، وإعطائهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم، مطالبًا كذلك بتدريب كافة أفراد المجتمع على ثقافة الكوارث وكيفية التعامل معها.. في ثنايا هذا الحوار مع معالي الدكتور محمد عبده يماني صور عن بداياته الصحفية، ومشواره مع القصة والرواية، وملابسات تأليفه لروايته «فتاة من حائل»، والعديد من المحاور الأخرى.. * تمر صحيفة “الندوة” حاليًّا بمرحلة انتقالية.. بصفتكم رئيس مجلس إدارتها ماذا تخبئون من جديد لقرّاء الندوة؟ - أشكركم على اهتمامكم بالندوة، وهذه المرحلة التي تشير إليها لا نعتبرها مرحلة انتقالية فقط؛ بل عودة إلى ماضٍ مجيد، لأن الندوة كانت من كبرى الصحف التي توزّع على مستوى المملكة، وكان لها تاريخ، وتعاقب عليها رؤساء تحرير عديدون أخذوا بيدها، وخصوصًا في حقبة صحافة الأفراد وما بعدها.. كما أعتز بأن خادم الحرمين الشريفين اهتم بالندوة؛ وكان دائمًا ما يسأل عنها، والحقيقة أنّ هذا الرجل أولى الندوة عناية خاصة منذ أيام الأخ إياد مدني، وقدّم لها مساعدات، وسدّد ديونها المستحقة للعاملين على مدى 20 عامًا لم يستلموا حقوقهم، وكانت تلك الخطوة رائدة. ثم جاء الدكتور عبدالعزيز خوجة؛ وهو رجل يتحرّك بمسؤولية، واهتم بالندوة بصورة شخصية، وانتقل بطلب لتطوير الصحيفة، واتصل بنا وأعاننا بخبراء، ودرسنا معهم تطوير الندوة. ومن مجمل كل هذه التحركات فإنني متفائل بعد هذا الصبر الطويل، فقد صبرنا على انتقادات وجّهت لنا، ولا أحد يعلم أننا لم نملك ثمن الوقود.. فأنا ومجلس الإدارة متفائلون، خصوصًا مَن حضروا معي الاجتماع مثل عبدالرحمن فقيه، وبسّام البسّام، وأسامة السباعي، ومجموعة من الذين حضروا الاجتماع. والآن الكرة في أيدٍ أمينة تدرس كيفية الانطلاق لعالم الصحافة العالمية والمحلية المتطورة، فقد استعنا بالمكتب الاستشاري الذي قامت عليه صحيفة “الوطن”، وهو مركز أسبار، ونأمل أن ننطلق انطلاقة قوية تقدّم لمكةالمكرمة صحيفة تشرّف أبناء مكّة المكرّمة، وتكون لها القدرة على المنافسة، وأن تكون موردًا استثماريًّا، وأن تكون للمساهمين عوائد، فالمؤسسات الصحفية المختلفة تحقق فوائد مادية كبيرة. ولحسن الحظ هناك حبٌّ كبير من كافة الصحف للندوة، وهناك تعاطف من “عكاظ”، و“المدينة”، و“الجزيرة”، و“الرياض”، وعرضوا علينا طباعة الصحيفة، كذلك أسهمت رابطة العالم الإسلامي بطباعة الصحيفة لفترة من الزمن، فهناك تعاطف عام، وقد سرّني بصورة خاصة أن الأمير خالد الفيصل أولى تطوير الصحيفة عنايته الخاصة. وعمومًا هناك الآن اطمئنان تام، ونتقدم بالشكر لمقام خادم الحرمين الشريفين، ونقول للدكتور خوجة: شكرًا لقد تحركت بمسؤولية ووعي، ووضعت بين يدي خادم الحرمين الحقيقة كاملة، وستكون الصحيفة بعد عام أو عام ونصف من الآن في أوج عطائها، وسنستقطب رجالاً ونساءً ليدعموا هذه المسيرة للتحرير والإدارة للمساعدة على هذه الخطوات. زيادة رأس المال. * اتساقًا مع الخطوات التطويرية التي تشيرون إليها.. هل في نيتكم زيادة رأسمال المؤسسة بفتح المجال أمام رجال الأعمال للاستثمار فيها؟ - نعم.. ستكون الدعوة مفتوحة؛ وستقدم أسبار دراسة اقتصادية وثقافية لتطوير الندوة، وبصورة تجعل المستثمر يتشجع على الاستثمار فيها؛ لأنه سيشارك في إدارتها، وبالتالي ستوضع أمامه كل الحقائق، بحيث يكون هناك استثمار نأمل أن يكون في حدود 100 مليون ريال في البداية، ولكننا نأمل في الانطلاق أكثر من ذلك، وبالتالي سيكون التعامل مع الصحيفة بوصفها مؤسسة صحفية يساهم فيها القدامى بجانب مَن يقدّم الدعم في المرحلة المقبلة كذلك. فهناك رغبة صادقة في إحداث نقلة كبيرة. وأنا شخصيًّا مع مجلس الإدارة على ثقة من تحقيق هذا الأمر. * هل الأمر مفتوح لرجال الأعمال داخل وخارج مكةالمكرمة؟ - الأمر مفتوح للجميع، وستكون هناك دعوة لرجال الأعمال من كل أنحاء المملكة للمشاركة، وإن شاء الله تعالى سيكون ذلك قريبًا. ثروة خاصة * هناك حديث حول تغيير اسم الصحيفة.. هل تم حسم هذا الأمر؟ - هذا الموضوع أثير؛ ولكن المجلس رأى بأغلبية كبيرة أن يبقى الاسم كما هو عليه؛ لأنه اسم له تاريخ، ويساهم في المرحلة المقبلة. فالناس ألِفوا هذا الاسم، وهو في حدّ ذاته ثروة خاصة بالندوة. لذلك اتفقنا على ألاّ يتم تغيير الاسم، وأن يظل كما هو عليه. نهاية الحوار * سجّلت صفحات الصحف ما دار بينكم وبين أبي عبدالرحمن بن عقيل من مناوشات.. أين وصل بها المطاف؟ - استلطفتُ كثيرًا حواري مع أخي وأستاذي الشيخ ابن عقيل؛ لأنه رجل يميل للحوار ويحبه، وله قدمٌ مع العلماء وأخرى مع الأدباء؛ لذلك فالحوار معه يختلف عن بقية الحوارات.. كنتُ قد كتبتُ قصيدة أعلّق فيها على أخي الدكتور غازي القصيبي، فدخل في النقاش، وانطلقنا في نقاشات مختلفة استمتعتُ بها، ومعي بعض القرّاء، ورأيت في النهاية أن أتوقّف بعد أن استنفدنا كل نقاط الحوار.. أبو عبدالرحمن رجل تعلّمنا منه ومن الأستاذ أبي تراب الظاهري؛ فهو ظاهري مثله، وتتلّمذ على يديه، وأعتقد أن مَن يتحدّثون بسوء عن أبي عبدالرحمن لا يعرفونه؛ فقد جلستُ إليه ووجدتُ أنه قمة في اللغة والحديث، ولذلك استمتعتُ بالحديث معه؛ لأنه كان نقاشًا ثريًّا. توقفنا عندما آن أوان التوقف. من يصلح الأوزان * الرسائل المتبادلة بينكم وبين الدكتور غازي القصيبي تحمل شفرات خاصة.. إلى أي شيء ترمي؟ - قليل من الناس مَن يعرفون صلتي بالدكتور غازي القصيبي، فقد زاملته في جامعة الملك سعود بالرياض، وأنا ممّن يهوون شعره، فهو رجل على خُلق، وبيني وبينه حوارات كثيرة. ومن الطالع العجيب أن أول معاملة تُعرض عليَّ في وزارة الإعلام هي ملاحظات على بعض قصائد القصيبي، وأنه شاعر يجب أن يوقف عند حدّه، فاتّصلتُ عليه هاتفيًّا وأخبرته، فضحك ومازحته بأن في يدي الصولجان. أحب حواراته دائمًا، وحاولت أن أداعبه ببعض الأبيات مع أني لست بشاعر، وإنّما متطفّل على الشعر. فقد كنتُ دائمًا بعد أن أكتب أبياتي أبحث عن من يصلح الأوزان. . أمّا غازي القصيبي فقمة أدبية أرى أنه يسيل شعرًا. كنا في مجلس الوزراء نتبادل القصائد، وكان يصلح لي قصائدي. كنا ومعنا الدكتور هشام ناظر نكتب قصائد عن القضايا التي تعرض علينا، واحتفظتُ من جانبي بكثير من تلك القصائد، ولا أُطلع عليها أحدًا. كانت قصائد جميلة. لقد رسخ في ذهني تقدير خاص للقصيبي، ولأدبه، وأخلاقه، وعندما مرّت به الوعكة الصحية الأخيرة أردت أن أكتب له أبياتًا، وكتبتُ له بعضها. كثيرًا ما أشعر برغبة في قول الشعر وكتابة مشاعري، ولكني أحتاج إلى مَن يصحح لي في بعض الأوزان. حرية غائبة وصدمة ثقافية * ألقيت كلمة المثقفين في مؤتمر الأدباء الثالث.. فكيف ترى الوضع الثقافي من خلال ما يُطرح في وسائل الإعلام؟ - أنا ممّن يستبشر بالوضع الثقافي؛ خصوصًا أن زمرة من الشباب دخلوا في هذا المجال، واستطاعوا أن يثبتوا وجودهم، وتعدّدت الروافد بوجود الفضائيات. كنا منقطعين عن بعضنا البعض، ولا نعرف الأدب المصري، ولا السوري، ولا المغربي، ولا الأدب الموريتاني، لكن التلفزيون قرّب بيننا، وأثّر ذلك على الثقافة. في الوقت نفسه ساعدتنا على تطويع الأدب الغربي. كنا نعاني في الحصول على كتب، وإذا بنا فجأة نجد روافد جديدة سهّلت الطريق. ولكن المشكلة أن غياب الحرية في الكتابة، وتشدد بعض العلماء -حفظهم الله- وجرأتهم على تفسير بعض الكتابات الأدبية بصورة غير صحيحة أدّت إلى تنفير كثير من الكُتّاب، وأخافت البعض من أنهم قد يتعرّضون إلى التكفير. فهذه صدمة ثقافية.. وفي المحصلة النهائية فالإعلام أيضًا جنى على الثقافة في كثير من الدول الإسلامية. قضايانا في كثير من الأحيان تُناقش على أنها قضايا إعلامية مجردة. فالإعلام ضجيج.. لا طحن خلفه، وهذا أثّر في الثقافة. صحيح أن الإعلام قد انتشر؛ لكن في الوقت ذاته كان علينا أن نستفيد من هذه الطفرة الإعلامية والعناية بها، وهذا ما أتمنّاه؛ لأنّنا في حاجة لهذا الانتشار. علينا أن نعلّم ناشئتنا أصول الحرية واحترامها، وأن حريتك تنتهي عند حرية الآخرين. لا يمكن أن تطالب بحريتك لتعتدي على حرية الآخرين؛ كما ذكرها الأمير خالد الفيصل، فهي ثقافة الإحباط. علّموهم الحرية، وأعطوهم الفرصة. بدون حرية لا تنشأ أي ثقافة. إذا كان الشباب يخافون في البيوت، والمدارس، والصحف.. فكيف يبدعون؟! بيئة أدبية * تحظى الصحافة بمكانة خاصة واهتمام عندكم.. فكيف كانت أولى الخطوات؟ - نعتز كمسلمين بأن أمتنا بالدرجة الأولى هي أمة «اقرأ»، ونحن في مكّة المكرّمة بالذات كنّا نذهب إلى غار حراء، ونرى وكأن الآية تتنزّل من جديد، بالتالي فإن الأدب والقراءة من القضايا التي أولاها الإسلام عناية كبرى، وعندما تقرأ القصص القرآني تدرك ذلك، كذلك الحرم المكي الشريف امتلأ بهذا النوع من ثقافة القرآن، وثقافة الحديث. لقد نشأنا في أجواء كلها ثقافة وأدب. لهذا مَن كانت لديه أي ميول أو اتجاه إلى الأدب كان يجد البيئة الصالحة، ويجد العناية والتوجيه بدون أي ثمن؛ لأن علماء ذلك الوقت كانوا يعطون ولا يأخذون. كنا ندرس في جنبات وأروقة المسجد الحرام عند علماء إذا وجدوا أن طالبهم يحتاج شيئًا ما أعانوه وجلبوه له دون أن يخبروا أحدًا. القضية كانت اتصالاً روحيًّا وأدبيًّا وثقافيًّا في المقام الأول. كنتُ ممّن كان لديهم ولع بالأدب منذ الطفولة. وفي السنوات التسع الأولى من عمري كنتُ أكتب بعض الكتابات. كان لدينا في مدرسة الفلاح الأستاذ إسحاق عزوز، وعندما يرى أن بعض الطلاب لديهم ميول أدبية كان يأمر الطلاب أن يعتنوا بهم. كان لدينا أستاذ من أدباء مصر اسمه الأستاذ مصطفى شرف، الذي عندما أحسّ بميولي شجّعني على الكتابة. ثم وجدت رجلاً صحافيًّا كان مربيًّا قبل أن يكون أديبًا هو عبدالرزاق بليلة؛ الذي كان يأخذ منا الشتات ويصلحه. وكانت لدينا مجموعة إذا بنا نتّحد مع مجموعة من الشباب الذين لديهم نفس الميول، كالأستاذ محمد جميل فضل، وعبدالكريم نيازي، ومحمد صالح، ومحمد إسماعيل جواهرجي، ومحمد عمر العامودي. والعجيب أننا كنا ندرس في مدارس مختلفة، فالبعض في مدارس الرحمانية، ونحن في مدرسة الفلاح، وكان هناك تنافس كبير بيننا؛ ولكن التقينا في المجال الأدبي. كان من المجموعة الأستاذ محمد عبدالله بوباري، الذي كان -رحمه الله- أكبر منا سنًّا.. هذه النشأة جعلتنا نتعلّق بالأدب، وكان هذا يهتم بنا في المدرسة، وهذا يرعانا في الحرم، ولم تكن هناك النوادي الأدبية الحديثة؛ إنما كانت هناك زوايا مثل حمزة شحاتة، والأستاذ إبراهيم فودة، هذه الزوايا لم تكن لأمثالنا، ولم يكن يُسمح للأطفال بالحضور؛ لأنّها كانت على مستوى كبير، ويصعب أن نفهم ما يجري فيها، ولكنّا كنّا نتطلّع لالتقاط ما يصدر منها في حدود ما تنشره الصحافة، كانت وسائل الطبع والتوزيع محدودة. وهناك أيضًا رافد مهم من روافد حياتنا الأدبية وهو مكتبة الثقافة. كانت المكتبة تحضر كتبًا أدبية، وبالذات القصص الأدبية والروايات، وجعلتنا نتعلّق بها. كانت تحضر هذه الروايات من مصر، ومن سورية. ولم يكن لدينا اتصال بأدب المغرب العربي في ذلك الوقت، وكان معظم الاتصال بمصر وبعض ما يرد من موريتانيا، ولكن لم نكن نستوعبه تمامًا لعنايتهم الفائقة بالنحو والقواعد. ولأننا كنّا من ذوي الدخل المحدود كان الأستاذ صالح جمال -رحمة الله عليه- يعطينا الكتاب، وعندما ننتهي منه نعيده إليه، فيعطينا كتابًا غيره بنفس المبلغ، وكأنّه اشترى منّا الكتاب. كنا نقرأ القصص ونعيدها له؛ لأن معظمنا من الشباب العاملين في مجالات الطوافة، وسوق البرسيم في المسفلة، وبعضنا أبناء تجار صغار. لم يكن لدينا دخل يسمح لنا بشراء الكتب. . المكافأة الأولى * هل تذكر بعض الكتابات الأولى؟ - في أوائل فترة الثانوية أولعت بالقصص؛ فكتبتُ قصة قصيرة سمّيتها «على ضفاف البريمي»، وعندما نُشرت في الجريدة استرعت انتباه شريحة كبيرة من القرّاء، وكان الملك سعود مهتمًّا بالأدب، فقال: ما دام هذا الطالب قد كتب القصة احضروه، فطلبوا مني أن أقوم بتسجيل القصة للإذاعة السعودية. كان لدينا مديرون ليسوا عاديين، منهم الشيخ اسحاق عزوز الذي رفض أن أذهب للإذاعة، وقال لهم: إذا كنتم تريدون أن تسجّلوا فاحضروا له في المدرسة. أخبروه أنه لا يوجد أستوديو إلاّ في جبل هندي، فاشترط أن يذهب معي أستاذان، فذهبا معي لتسجيل القصة، وأعطوني مكافأة 100ريال. وعندما دخلتُ، جلستُ في الأستوديو، أصلحتُ وضع المايكروفون، فأوقفوا التسجيل، ودخل محمد بن شاهين الشاعر، والأديب المعروف -رحمه الله- وضربني على يدي! وقال لي: هذا المايكروفون عُهدة حكومية فلا تلمسه. سجّلتُ القصة، وأخذتُ المكافأة، فأقامت لي المدرسة حفلة. مضت الأيام، وتخرّجتُ في جامعة الملك سعود، ومررتُ بمراحل مختلفة، وتمّ تعييني وزيرًا للإعلام. وبمجرد تعييني قمتُ بزيارات لمناطق المملكة، وبدأتُ بمكة والمدينة. في مكة أخذوني للتكريم في جبل هندي، فدخلتُ ووجدتُ الأستاذ محمد بن شاهين واقفًا، وقدّمني لألقي الكلمة، ووضع المايكروفون أمامي فلم أتكلّم. فطلب مني أن أتحدّث فقلتُ له: هل ستضربني على يدي كما فعلت سابقًا؟ فابتسم وتذكَّر تلك الأيام. الشاهد في الأمر أننا نشأنا في بيئة تربوية وأدبية، ووجدنا رعاية وعناية بالأدب. الرجال الذين رعونا منهم الأستاذ طاهر الزمخشري -رحمة الله عليه- من رجال الصحافة البارزين الذين يهتمون بالشباب. كانت لدينا مساحة من الحرية؛ لأن نكتب ما نريد. أعطونا فرصة لأن نكتب، ويقومون بدورهم بتصحيح الأخطاء الموجودة في التوجّه واللغة. عندما وجدت أمي أنني أكتب فرحتْ رغم أنها أمّية لا تعرف القراءة أو الكتابة. فجعلت تأخذني إلى مجموعة أديبات في بئر بليلة، وفي جياد مثل خديجة جاوية. كنّ مدرسات، ولكنهنّ يفرحن عندما يجدن مَن يمارس الكتابة. كانت في مكة والمدينة لمحات أدبية أكثر من بقية مدن المملكة .