صديقي المعذب بالهوى. والذي تركته حبيبته في نهاية المطاف وحيدا يعالج كبداً أفراها الفقد.. أكتب لك هذا المقال: لا أحد منا يعرف كيف ينشأ الحب يا صديقي الحب هو الكائن الوحيد الذي يتكون وينمو في ظروف غامضة ومختلفة. لا يعرف عرقا ولا زمنا ولا قيمة أخرى غير أن يفرض نفسه على قلبين اقتنصهما على حين غرّة!. وهو النوع الوحيد من المشاعر الذي لا يمكن أن نجد له سببا. وحين يطرق أبوابنا أو نوافذنا, فإننا نُسلّم وجودنا لسلطته فنكون رهن حالاته وإفرازاته وفيوضاته وأعراضه. وندخل في وضع عنوانه الكبير «التغيير». ما أقوله هنا ليس جديدا عليك. تعرف جيداً أنه قد حاول الكثيرون أن يرصدوا الحب ويصنفونه ويخصصون له المصطلحات. ويطلقون فيه الأقوال الخالدة والقصائد. لكن دعني أسألك هل حالة الحب التي تيسطر عليك الآن, لا إرادية؟ هل أنت فاقد للسيطرة على نفسك؟ إن سلّمنا أن الحب حالة غير اختيارية, فهل الخلاص منه اختياري أو لا؟! ربما أكسب جائزة في مسابقة ما لم تكن لي يدٌ في الفوز بها, لكن هل أنا فاقد للسيطرة الآن فلا أملك التحكم في كيفية إنفاق الجائزة؟!.. أمستحيل أن أهبها فقيراً أو معوزا؟! الحقيقة أن الإنسان هو أكبر كائن متكيف على الأرض. بإمكانه أن يروض نفسه ويعيّشها تحت ظروف قاسية, بإمكانه أن يعيد برمجة مزاجه ونظامه ولباسه. حتى أن جسد الإنسان بإمكانه أن يتشكل حسب الظروف التي يوضع تحتها, السباحون يكتسبون أكتافاً قوية وصدوراً عريضة, رافعوا الأثقال تقصر جذوعهم وأطرافهم!. بعد هذا كله أيعجز الإنسان - هذا الأعجوبة - أن يُجابه شعورا؟!. تعرف أنني لا أتحدث عن مقاومة الحب الإيجابي المتكافئ, إنما الحب المجروح المغدور. ليس كل من حولنا جديرين بالحب, الحياة فيها الغادرون والخائنون ومن ينتقصون من كرامتنا وحقنا!. الحقيقة المؤلمة أن هناك من لا يستحق الحب لكننا نكتشف هذا متأخراً. إن انسياقنا خلف المخادعين والمسيئين مرده عارض نفسي يجعلنا راغبين دائما بتعذيب أنفسنا.. هذا ليس حباً يا صديقي! لذا بدلا من أن نعيش تحت سيطرة حالة مُدمّرة للطاقة والذهن. حالة سلبية تسلبنا الإرادة والانطلاق في الحياة. وتسرق منا حلاوة العيش. لابد لنا أن نخلّص رقابنا من مشنقة ما نسميه حباً. وهو ليس كذلك.. لأن الحب الصحيّ لابد أن يكون واهبا ومُشبعا ومربياً للنفس. فالإشباع سوف يصنع منا بشراً مُنجزاً وفعالاً. لكن العلاقات التي تضعنا دائما على شفير الحاجة, نُطارد سراب الاكتفاء ولا نكتفي؛ تصنع منا كائنات خاملة, هالكة, تدور حول حَلقة الجوع العاطفي والروحي المفرغة. ودون أن ندري نكون ضحية أنانيين يستنزفوننا لإرضاء جشعهم. لذا لابد أن نحاول. لا يوجد مستحيل مع المحاولة, ولا يوجد يأس مع الإصرار. التجربة قاسية, وإرثنا العربي المتجذر في نفوسنا يحكم علينا بالفناء في المحبوب!. فالعربي القديم معجون بمشاعر القهر في الحبّ. بإمكانه أن يصارع البيئة ويعيش في صحراء قاحلة مع ندرة وجود الماء وتحت درجة حرارة هائلة, لكنه لا يستطيع أن يتحرر من حب قهري! عنترة الذي نازل الأعداء وعرك الحروب بسيفه ويده. تصرعه أنثى. امرؤ القيس الملك ذو الشأن والمكانة يحتمل حتى ظروف السجن ولكن ينهزم أمام الحبيبة!. أنا أرفض أن اسميه حباً, إنها حالة مُعاقة, يكون فيها أحد الطرفين محمولا على أكتاف الآخر, يتغذى على طاقته ويتطفل على ذاكرته وصحته وحياته.. الحالة التي كتب فيها أبو فراس الحمداني أبياته الشهيرة: وَفَيْتُ، وفي بعض الوَفاءِ مَذَلَّةٌ لإنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْر تُسائلُني من أنتَ؟ وهي عَليمَةٌ وهل بِفَتىً مِثْلي على حالِهِ نُكْرُ؟ فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لها الهوى قَتيلُكِ! قالت: أيُّهمْ؟ فَهُمْ كُثْرُ فقلتُ لها: لو شَئْتِ لم تَتَعَنَّتي ولم تَسْألي عَنّي وعندكِ بي خُبْرُ! هل هذه حالة حب؟ وهل هذه مواصفات حبيب؟ الغدر والتعنت والتهكم؟ أترك الجواب لك يا عزيزي. لأن الأمر ما زال قائما. مازال الإنسان في العالم الثالث يتعاطى مع الحب كقوة قاهرة تُرضخه وتكسّر إرادته. وما زال العاشق «الشاعر أو المُغنيّ» يدور في فلك المحبوب الغادر, ممسوسا بالحب المستضعَف. وأم كلثوم تغني قصيدة إبراهيم ناجي:» أعطني حريتي واطلق يديّ إنني أعطيت ما استبقيت شيّ .آه من قيدك أدمى معصمي لم أبقيه، وما أبقى علي؟. ما احتفاظي بعهود لم تصنها وإلام الأسر، والدنيا لدي. ها أنا جفت دموعي فاعف عنها إنها قبلك لم تبذل لحي» القصيدة الدامية التي تسطر حالة الذل الذي يعيشها آدمي تحت سوط آدمي آخر لا يبادله ذات المشاعر!. ولم ننته.. بعدها بعشرات السنين, جيلا بعد جيل.. يغني « طلال مداح « أحبك لو تكون غادر, أحبك لو تكون هاجر» ويغني بعده بأربعين سنة مطربو هذا الجيل الذي يقول أحدهم: « ويلي ويلاه حبيبي كذاب»! فليتك تخبرني يا هذا.. كيف تحب كذابا؟! والسؤال الذي يؤرقني حقيقة هل يستحق الخونة والغادرون والجبناء والأوغاد أن نخلدهم في القصائد والأغاني؟! بالنسبة لي تنتهي أي علاقة بالخيانة. الغدر يطفئ مشاعر الحب مثلما يطفئ الرمل نارا موقدة. القلب أثمن من أن يسكنه المتعنتون ومن يتخلون عنا ويعرضون وقت نقبل عليهم. من نستنجد بهم فيختفون بالأعذار والحجج الواهية. من يسمون رغبتنا بالقرب منهم والاسئناس بحديثهم ولقياهم «مطالب عاطفية» الغرض منها التحكم بهم!! الحب يا صديقي هو أن تغمس قلبك في قلب آخر فيخرج ريانا, مثلما ترتوي الوردة! أما هؤلاء فهم مجموعة أنانيون, يستخدمون كل الطرق المباحة والغير مباحة لاستدراجنا.. للوهم!