لا أحد منّا يُفكّر في الآخر ولا في مصالح الآخر ولا قي رأي الآخر ولا في ظروف الآخر. ما سر هذه الأنا المتضخمّة لدينا ودوافعها ودواعيها؟ وإذا عدنا إلى تحليل وشرح وتفسير لكل ما يجري في هذا العالم وكل ما جرى، نجد أنّ مشكلة الوجودية تندرج تحت عنوان واضح وصريح هو الأنانية والغيرية، والغيرية هي عكس الأنانية. وكل التحولات التي تجري سراً وعلانية، إرادياً ولا إرادياً، سواء كانت كبيرة ام صغيرة، عامة أم تفصيلية، تجري بحسب اختلاف النسبة بين المفهومين الآنفي الذكر، الأنانية والغيرية. لأبسط الشرح، أقول إنها مثل الكولسترول في الدم، هناك الكولسترول المفيد والكولسترول المضر، وهكذا كلما ارتفعت نسبة الأنانية على الغيرية أو العكس في الدم أو في السياسة أو المجتمع أو الافتصاد أو في العلم أو الأدب أو الصحافة، يحدث تحوّل من نوع ما قد يكون بسيطاً وقد يكون مدوياً مُزلزلاً، من النوع الشافي أو النوع القاتل. ويمكننا قياس ذلك على صعيد الفرد نقسه وعلى صعيد الأسرة ومن ثمّ المجتمع الصغير فالأكبر حتى نصل إلى الدب الأكبر ومجرة التبّانة أيضاً. وهكذا كلما ازداد الفرد أنانية انعكس ذلك على أسرته ومجتمعه حتى يعم العالم، وكلما ازداد تفهماً وحباً للآخر أثر ذلك أيضاً في أسرته ومجتمعه حتى يعم العالم كذلك. لكنّ الجميل والقبيح في الموضوع أنّ الإنسان تتغير الأنانية والغيرية عنده في كل مراحل حياته، إن لم يكن مثل الكولسترول فليكن مثل السكر في الدم، يعني يتغير تعامله مع فرد عن الآخر وفي مراحل مختلفة من الحياة. هل نحن ازدواجيون إذاً؟ جائز. هل تقود الواحد منا أكثر من شخصية؟ جائز أيضاً. هل نتلون مع كل إطلالة؟ جائز أيضاً. ألذاك فشل المصلحون والفلاسفة وأصحاب الأفكار الكبيرة والمنيرة. جائز! جائز! جائز! أنا شخصياً لست أدرك هذا المعيار وأهمية ضبطه، ولا أُنكر أن كل ما يدب على الأرض لا يتهاون في نفسه، مطلقاً! ولا في مصالح نفسه أولاً، بل يسعى إلى تعزيزها ودعمها ورفعها، وأحياناً يصل إلى مرحلة قولها وبكل صراحة: أنا ومن بعدي الطوفان. أنا لست ضد أحد ولا في نيتي التحامل على أحد، لكن لا أرى ضيماًَ أو ظلماً أو قهراً للذات أو استعذاباً للألم إذا ما نظر أحدنا في اتجاه الآخر وفكر في الآخر وأحسّ أنّ لذلك الآخر وجود أيضاً، وأنّ له صوتاً ينبغي أن يُسمع ووجهاً ينبغي أن يُرى وحيّزاً يجب أن يُحترم. هناك أنت وهناك أنا، وإن ألغيتني لابد أن أُلغيك. هل أنا وحدي «غير» أم أنت وحدك «غير»؟ يا أخي كلنا بشر وما حد أحسن من حد. المبادرة في أيدي الجميع، وهي ليست مكلفة على الإطلاق، فما في العالم يكفي ويزيد. فكّر في الآخر... فهكذا تُعلّمه أن يفكّر فيك، يأخذ منك ويعطيك، وإن لم يعط لا بد من أن يأتيك الخير من حيث لا تدري. خلف الزاوية إن كنت قد خيّبت ظنّك مرة أو كنت مسرعة إلى أهوائي جِد لي على ذلك الغرور ذريعة رافع بحق السماء عن إعيائي من لم يحاصره الزمان بمدّه في عالم الشبهات والإغراء من لم يقع في الإثم لحظة ضعفه أو لم يكن متعدد الآراء؟ [email protected]