انطلق قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ليكون بشارةً سارةً للمجتمع وصدمة للمفسدين بإنشاء «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» انطلاقًا من قول الحق تبارك وتعالى: {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يسترعي الله عبدًا على رعيةٍ يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرّم الله عليه الجنة) رواه مسلم، ولحرصه على نجاح ذلك الحلم ربطها مباشرة بشخصه الكريم وذلك لسرعة اتخاذ القرارات والشفافية ولكي يقطع الطريق على نفوذ المتنفذين.. ومما لا شك فيه أن الفساد الإداري والمالي موجود بكل الأمم في المنظمات التجارية والخيرية والحكومية ويقل كلما كان هناك أنظمة واضحة ومراقبة صارمة وشفافية على كل المستويات، ولا يختلف اثنان في الفساد الإداري . إن أكبر خطر يهدد مكافحة الفساد أن تؤد أو تشوه في مهدها، فرغم إيماننا كمواطنين بحرص مليكنا ونزاهة القائمين على الهيئة إلا أن أخشى ما نخشاه هو أن تؤطر أنشطتها في مجالاتٍ ضيقة أو أن تسير ببطء وبيروقراطيةٍ قاتلة ستجعل من مكافحة الفساد مجرد شعارٍ للتباهي أو عصى لضرب البعض والتغافل عن الآخرين، وقتها سيفقد المواطنون ثقتهم بها وسيطالبون بالرقابة على الرقيب وسينعم الفاسدون بطول السلامة!! إن محاربة الفساد تحتاج إلى التركيز على الأولويات الأخطر والأكبر حجمًا وليس الأكثر، وأن تبدأ من كبار المسؤولين بالتدقيق والمراجعة، وأن تُمنح الهيئة الحق الكامل لاستقراء المعاملات وحسابات البنوك لكبار المسؤولين ومعرفة كيف تكونت تلك الثروات الطائلة من موظف دخله لا يتجاوز الواحد بالمئة من ثروته، ولحكومتنا الرشيدة خبرة وتكتيك رائع بذلك في محاربتها للإرهاب وغسيل الأموال. كما يجب عليها أن تجعل من التبليغ على قضايا الفساد أمرًا مشوقًا ابتداء من الحوافز المادية وحسن وسهولة استقبال البلاغات وانتتهاءً بالجوائز المعنوية كالأوسمة والتكريم ونحوها، ليتحقق بذلك حلم الملك والمواطن. وختامًا: فالفساد سيبقى ما دام أن هناك عملًا وإنجازًا ولكن المهم أن يتواصل فضح ومعاقبة الفاسدين بطريقةٍ تواكب الطموح وألا يكون التنظير أكثر من العمل، والأهم أن يكون لهيئة مكافحة الفساد مجلس محايد يشرف على أعماله لا يكون لهم مصالح ويكون تشكيلهم منوعًا بمهنيةٍ عالية وسلطةٍ مطلقة.