تحتل المملكة المرتبة السابعة في إنتاج المواد البتروكيماوية؛ بحصة تبلغ 8 في المائة من الإنتاج العالمي؛ وعلى الرغم من ذلك إلا أن صناعاتنا البتروكيماوية ما زالت تتركّز في المواد الأساسية، التي يتم تصدير ما يقرب من 85 في المائة منها إلى الخارج. التوسع في صناعة البتروكيماويات الأساسية تسبب في الحد من دعم الصناعات التحويلية التي يُفترض أن تكون المُستفيد الأول من مجمل الإنتاج المحلي. أدى النمو الكبير في حجم الإنتاج المحلي من المواد الأساسية إلى استهلاك كميات كبيرة من الغاز المدعوم، في الوقت الذي تتطلّب فيه المصانع الجديدة، والتوسعات كميات إضافية من اللقيم الذي يبدو أن كمياته المتاحة لا تتوافق مع الطلب المحلي؛ وبذلك يكون خيار التوسع في الصناعات التحويلية الأفضل مع توفر فائض اللقيم، والفرص الاستثمارية الواعدة. البدء في خلق الصناعات التحويلية قد يحتاج إلى الدعم الحكومي الصريح، وسن الأنظمة القادرة على حماية الصناعات التحويلية وضمان مستقبلها؛ ووضع إستراتيجية وطنية، وتوضيح الرؤية لطمأنة المستثمرين. الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان آل سعود؛ رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع؛ أشار في كلمته التي ألقاها في «المنتدى السعودي الثاني للصناعات التحويلية» إلى أن الهيئة استثمرت مليارات الريالات بهدف تطوير المناطق الصناعية تحت مظلتها؛ وبناء التجهيزات الأساسية في الجبيل وينبع ورأس الخير؛ موفرة بذلك فرصاً واعدة للراغبين في الاستثمار في الصناعات التحويلية؛ وشدد على الدور الذي تؤديه البتروكيماويات وصناعاتها التحويلية، وما تلاقيه من قبول ورواج على مستوى العالم، وما تتميز به من قدرة على توفير فرص العمل، وما تحققه من قيمة مضافة تساعدها في «المساهمة في إثراء وتنويع مصادر الدخل والتشجيع على البحث والتطوير العلمي». المهندس علي النعيمي؛ وزير البترول والثروة المعدنية؛ تحدث عن التحديات المحلية وذكر منها «الاعتماد المستمر على البترول في إيرادات الدولة»؛ ونبه من مخاطر تقلبات الأسعار والإنتاج، مستشهداً بما حدث العام 2008 حين انهارت أسعار النفط من مستوى 147 دولاراً للبرميل إلى 35 دولاراً؛ مؤكداً على أن الأفضل للاقتصاد السعودي «استخدام البترول، سواء من حيث عوائده أو منتجاته المختلفة؛ من أجل إيجاد مصادر أخرى للنمو والازدهار»؛ المهندس علي النعيمي ربط بين تحدي الاعتماد على النفط بالتحدي الأهم وهو «التوسع في الصناعات والأنشطة الثانوية والقيمة المضافة»؛ حيث تعتمد المملكة على تصدير المواد الاساسية بأنواعها ثم يتم تحويلها إلى منتجات وسيطة ونهائية ويُعاد تصديرها إلى المملكة «ما يحرم المواطن والاقتصاد الوطني من الكثير من الفرص الاستثمارية المهمة». أذكر أني حذّرت مما حذّر منه الوزير النعيمي قبل خمس سنوات تقريباً، وشددت على وجوب التوسع في قاعدة الإنتاج والاهتمام بالصناعات التحويلية الخيار الإستراتيجي الأمثل للمملكة. مساهمة الصناعات التحويلية في النشاط الاقتصادي ما زالت محدودة، وتقل بكثير عن الطموح، والأهداف الموضوعة، وأحسب أن المنتدى ربما أسهم في تغيير النظرة الاستثمارية على المدى القصير والمتوسط، إلا أن ذلك التغيير في حاجة إلى رؤية حكومية وإستراتيجية وطنية ودعم، وضمانات كفيلة بطمأنة المستثمرين على استثماراتهم المستقبلية في قطاع الصناعات التحويلية. أحسب أن المنتدى الثاني للصناعات التحويلية أسهم في تسليط الضوء على قطاع الصناعات التحويلية، وكشف عن الفرص الاستثمارية الواعدة، في الوقت الذي ستسهم فيه الهيئة الملكية وتحالفاتها مع أرامكو السعودية وسابك ووزارة المالية في تحقيق الرؤية الصناعية المستقبلية والتركيز على قطاع الصناعات التحويلية كخيار إستراتيجي وطني.