تحتفل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن هذا العام بمرور خمسين عاما على تأسيسها، وهي مناسبة نقدم من خلالها التهنئة لمنسوبي وخريجي الجامعة بهذه الاحتفالية، ونشاركهم الاحتفاء بالتميز الذي تحظى به على المستوى المحلي والعالمي، سواء في مخرجاتها الأكاديمية أو في تنميتها البحثية أو استقرارها الإداري. كما أنها فرصة للتعرف على أبرز العوامل التي ساهمت في تميز هذه الجامعة وما هو المطلوب بعد هذه الاحتفالية. امتازت جامعة الملك فهد للبترول باستقرارها المؤسسي والإداري، فبالرغم من تعدد مديريها فإنها بقيت تسير وفق نظرة مؤسسية لم تهتز بتغيير مدير أو مسئول مع تقديرنا للبصمات القيادية و(الكارزمية) التي تميز كل منهم، وذلك مقارنة بالجامعات السعودية الأخرى. جامعة البترول حافظت على هويتها كجامعة تقنية متخصصة في المجالات الهندسية والتقنية، ولم تنسق حول طموحات التوسعات في كل جانب، مقارنة بالجامعات الأخرى. يمكن القول: إن أحد مشاكل الجامعات السعودية هو عدم وجود هوية بارزة تميز كل منها؛ الجميع يريد أن يكون الجامعة الشاملة التي تتوسع بافتتاح الكليات في كافة التخصصات والفروع، وليس أدل على ذلك مما تقوم به الجامعات الحديثة التي تتوسع في كل اتجاه دون أن تكمل عملية التأسيس الأولي و دون رؤية تضع الجامعة في موقع تميز بتخصص أو مجال معين. بل امتد الأمر حتى للجامعات المتخصصة كالجامعات الدينية التي شعرت بعدم قدرتها على التميز في تخصصاتها الدينية فلجأت للتوسع في التخصصات الأخرى وهي لا تملك المقومات اللازمة لذلك. جامعة البترول تميزت بوضوح الرؤية من حيث التخصص والتركيز في الجانب الأكاديمي والبحثي معاً، والبقاء كجامعة ذات حجم صغير أو متوسط من ناحية عدد الكليات والطلاب. الجانب الآخر الذي ميز جامعة البترول هو الدعم الذي حصلت عليه إبان تأسيسها وحتى عهدها الحالي من قبل شركة ارامكو، ففي مراحلها الأولى دعمتها ارامكو مادياً و(لوجستياً) نحو تأسيس جامعة ذات نظام مماثل لأنظمة الجامعات الأمريكية، وبالتالي كان لها بنية تأسيسية تنظيمية متميزة، لم تهتز كثيراً رغم تعاقب الإدارات المختلفة. بل إنها حظيت بعناية واستثناء خاص مكنها من الحفاظ على هويتها، في حين لم تحظ بقية الجامعات بنفس العناية وأجبرت بعضها على مضاعفة أعداد طلابها أو تغيير أنظمتها الأكاديمية. التميز الآخر يكمن في طبيعة الجامعة التخصصية وعدم تقديمها التعليم العالي للفتاة، فالتخصصات الإنسانية تضع بعض الجامعات في فوهة الجدل الفكري والأيدلوجي والسياسي، مقارنة بالتخصصات التقنية. كما أن تعليم الفتاة في بيئتنا الاجتماعية والتعليمية يشكل عبئاً إدارياً وأكاديمياً لا يدركه سوى من عمل في إدارة الجامعات السعودية التي تقدم التعليم للجنسين الذكور والإناث. جامعة البترول والمعادن ذات تاريخ متميز وإنجازات رائدة تستحق تقارير أكبر لا تناسبها مساحة وطبيعة المقال. عليه نكتفي بالتهنئة ونقترح أن تخصص الجامعة ندوة أو لقاءات تتضمن عصفا ذهنيا من قبل أساتذتها وخريجيها والمهتمين للتأمل في مسيرتها وطرح التصورات حول مستقبلها و ما هي المنطلقات التي يجب أن تتبعها خلال العقود القادمة من عمرها المديد بما في ذلك طرح الأسئلة الكبرى؛ هل تقدم الجامعة التعليم العالي للفتاة؟ هل تتحول الجامعة إلى جامعة شاملة بدلاً من البقاء كجامعة تقنية هندسية؟ هل تتوسع الجامعة في التعليم على مستوى المرحلة الجامعية أم تكتفي بحجمها الحالي وتركز على التوسع في الدراسات العليا؟ وغيرها من الأسئلة. أكرر التهنئة لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن؛ إدارة وأساتذة وخريجين وداعمين ومحبين؛ بمناسبة بلوغها الخمسين عاماً.