يحق للآثار والمعالم الضاربة في القدم أن تشغف كبار السن حبّاً؛ كونها تجسّد عبق الماضي العريق، وتربطه بأصالة الحاضر المشرق, أما في حال تعرض تلك الموروثات للتطاول والعبث فإن تلك الشريحة المخضرمة تكون أول من ينعى فقدها باعتبارها ملكاً للجميع وثروات غالية لا تعوَّض. وتقديراً لهذا الإرث الثمين والمهتمين به التقت «الجزيرة» عدداً من وجهاء محافظة الدوادمي، ومنهم الشيخان عبدالرحمن بن عبدالله أبو بكر وعلي بن محمد الحزيم, وأعمارهما على مشارف التسعين عاماً, مبديَيْن امتعاضهما الشديد من إزالة البئر الأثرية الشهيرة، التي حفرها الأجداد الأولون قبل قرون عدة على ضفاف مجرى وادي الدوادمي آنذاك، ولعذوبة مائها أسموها «ريق البنات» و»حسي البلاد»، وقاموا بحبكها بالحجارة الصلدة بإحكام تام, ورفعوا بناءها مترَيْن بالحصى والطين بما يسمونه «الزرانيق»، التي يثبّت عليها «المحور والمحالة والرشاء»، اختراعاتهم البدائية في ذلك الوقت التي دعت الحاجة إليها, فكان لتلك البئر الصغيرة شكل كبير مضموناً، وقصب السبق في النفع في بناء دوادمي بالأمس حين كان لا يعدو بويتات طينية معدودة, وكانت مورداً عذباً سائغاً يقصده الحجاج على الإبل, وكذلك البادية الرحّل ومواشيهم ولعابري السبيل حيثما كانت وجهتهم ولكل كائن حي. وفي الآونة الأخيرة تفضل أحد المحسنين ببناء غرفة صغيرة لتحريز البئر ومعالمها الأثرية وحفظها من التعدي والعبث، إلى أن سحقها «الجريدر» بمعالمها الأثرية لغرض تسوية المنطقة حولها. وأضاف أبو بكر بأنه منذ نعومة أظفاره وهو يسمع من عمه الشيخ إبراهيم أبو بكر، أمير الدوادمي في السابق، حين كان مشرفاً على بناء قصر الملك عبدالعزيز بالدوادمي, أن من المشاركين في حفر هذه البئر ابن مشعاب، إمام المسجد رحمه الله. وأكد أنها سميت بهذا الاسم منذ ذلك الحين لعذوبة مائها، وقد يكون انتقل بعد ذلك إلى آبار أخرى. فيما أضاف الحزيم بأنه فوجئ بدفن هذه البئر العريقة وإزالة جميع معالمها وغرفتها المغلقة عليها, وبعد أن شاع هذا التصرف الذي جانبه الصواب في أوساط المجتمع جرت محاولات يائسة للبحث عن فوهة البئر، لكن بعد فوات الأوان بعد جرف المعالم وسقوط بعض الأحجار العلوية من البئر ومن ثم إغلاق فوهتها بغطاء حديدي محكم باللحام، لكن عمقها لا يتعدى متراً واحداً. وأردف بقوله مؤملاً من الجهة المعنية ذات العلاقة النظر في هذا الموضوع لمعرفة المتسبب في إزالة تلك الآثار القديمة الثمينة التي هي محل تقدير وافتخار أهالي المحافظة. وكانت «الجزيرة» قد حضرت في الموقع للتعرف على الجهة المنفذة للمشروع، إلا أنه لا توجد لوحة تعريفية في الموقع توضح اسم المؤسسة المنفذة والجهة التابع لها المشروع ورقم العقد ومدته المحددة كما هو معمول به نظاماً في الترسيات النظامية للمشاريع الحكومية.