يتجنب العرب تدويل الأزمة السورية، ففي كل القرارات والتصريحات يحاول المسؤولون العرب وبالذات العاملون في جامعة الدول العربية النأي بالجامعة عن المسؤولية في إيصال الملف السوري إلى التدويل، في حين «وحل» التدويل أصاب السوريين منذ الأيام الأولى لبدء الانتفاضة السورية التي بدأت بتظاهرات سلمية، والتي حاول حلفاء نظام بشار الأسد اعتراضها باستنساخ الأسلوب الإيراني في مواجهة التظاهرات السلمية، مما حوَّل انتفاضات الشعب السوري إلى ثورة شعبية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. وبدلاً من أن يتعامل نظام بشار الأسد مع الانتفاضة السلمية بما يجب عليه التعامل كنظام يدير حكماً لخدمة الشعب، تحوَّل إلى قاتل للشعب، مستجيباً لتوجيهات حلفائه في طهران الذين أوفدوا له مهندس القمع ومفجر الحروب الأهلية قاسم سليماني الذي أشعل الحرب الأهلية في العراق. ولأنَّ نظام بشار الأسد يحتاج إلى أدوات لتنفيذ مخطط سليماني، فقد أوفد ملالي طهران خبراءهم في التصدي لطموحات ورغبات الشعوب. في البداية وصل إلى دمشق خبراء مواجهة التظاهرات، إضافة إلى بعض مئات من الخبراء والمدربين الأخصائيين في عمليات قمع التظاهرات، وجلبوا آلاف العناصر من حزب حسن نصر الله، كون لبنان الأقرب إلى سوريا، وشكَّل هؤلاء الخبراء والمدربون وعناصر حزب حسن نصر الله النواة الأولى لكتائب بشار الأسد التي جمعت بين قتلة مأجورين أطلق عليهم السوريون مصطلح «شبيحة» الذين ماثلوا في أعمالهم نظراءهم في الإجرام في إيران المنضوين تحت تشكيلات الباسيج والذين كانوا مسؤولين عن الضحايا الذين سقطوا في بداية التظاهرات السلمية في سوريا. ولما لم يستطع هؤلاء إجهاض التظاهرات السلمية التي تصاعدت حتى أصبحت ثورة شاملة عمت المدن السورية كافة، لجأ قاسم سليماني الذي أصبح المستشار الأول لنظام بشار الأسد والذي يتردد كثيراً هذه الأيام على دمشق، لجأ إلى قوات الحرس الثوري الإيراني المتخصصين في قمع الثورات حتى وصل عددهم إلى أكثر من 15 ألف عنصر عبروا الأراضي العراقية ودخلوا سورية تحت صفة زوار المقدسات الشيعية في سوريا، وبدلاً من التوجه إلى حي السيدة زينب في دمشق معقل الصفويين في سوريا، انتشروا في المدن السورية للقيادة والاشتراك في قتل المتظاهرين السلميين وتصعيد أعمال القمع التي وصلت إلى استعمال راجمات الصواريخ لمهاجمة المدن وتدمير المنازل. وجود الإيرانيين ومقاتلي حسن نصر الله وتشكيلات المليشيات الطائفية العراقية أصبح وجوداً ملموساً أكدته سقوط عدد منهم «أسرى» لدى كتائب الجيش السوري الحر. وهو ما يؤكد بأنَّ تدويل الأزمة السورية قد صاحب اندلاع الانتفاضة السورية وظل يتصاعد بعد أن دخلت الانتفاضة مرحلة الثورة على الأرض السورية. أما على الصعيد السياسي الدولي فلا أحد يستطيع أن يخفي التدخل السافر للروس في الشأن الداخلي السوري الذي أخذ يتعاظم لينضم إلى ما يفعله الإيرانيون لتصبح الأزمة السورية في أتون التدخل الدولي، ويصبح ملفها ملفاً دولياً وحاضراً في كل الملتقيات والمؤتمرات الدولية، مزاحماً الجهد العربي الذي لا يزال غير قادر على معالجة هذا الملف بما يتوافق مع المصلحة العربية العليا، في ظل خضوع دول عربية معروفة لإملاءات القوى الإقليمية والدولية التي يمكن تشخيصها بسهولة.