الأصالة من مكارم الأخلاق وأنبلها على الإطلاق، وأصيل المعدن هو شخص يتمتع بالشجاعة والتضحية والشهامة والمروءة والنخوة والصدق وطيبة القلب والصبر والتفهم... ولكن للأسف الشديد، ومع تغير مفاهيم الحياة، ومع لهث البشر وراء مصالحهم المادية وإغفالهم أحيانًا للمعنويات، أصبحت الأصالة تُفهم بصورة خاطئة، وأضحى معناها النبيل الرائع يأخذ منحى آخر غير الحقيقي... ليس هذا فقط، بل أصبحت تكسر قلب صاحبها وتفتته، فالأب العاقل المتفهم لظروف الشباب الصعبة، وعدم مقدرتهم على الزواج، وييسر زواج بناته دون أن يغالي في المهور، أو يطلب أكوام الذهب، ويساعد الخاطب على سير حياته وسترها، ويشتري رجلاً يصون ابنته، ويصطدم بعدم التقدير، وعدم فهم معنى أصالته، فهل سيكون ذلك سهلاً على سني عمره وقلبه! وتلك الزوجة الصالحة التي تراعي ظروف زوجها، وتدبر أمور بيتها بأقل التكاليف، إشفاقًا على تعبه وجريه لتأمين الرزق، وتتفاجأ بقوله: ما لم تطلب فهي راضية، فهل سهلٌ على قلب تلك الزوجة الأصيلة أن تتحمل ذلك! والموظف المخلص لعمله الذي يؤديه بإتقان حرصًا على مصلحة المنشأة التي يعمل بها، ولأصالته وأمانته، وتكون مكافأته زيادة المهام وفترات الدوام وتغطية غياب غيره من الموظفين، دون تقدير لأصالته ومواقفه، وربما استضعافًا له ولحاجته، فهل سهلٌ عليه أن يتقبل ذلك! ورب الأسرة المتفهم لمتطلبات أسرته، الحريص على معيشتهم وتعليمهم ليدخلوا معترك الحياة أقوياء، هل سهل عليه أن يتقبل جحود الأبناء في كبره! وينطبق ذلك أيضًا على الأم المتفانية في خدمة أبنائها، وتُترك لتعيش الوحدة والاكتئاب في كبرها، فما عاد الأولاد بحاجة لها! والشخص طيب القلب في تعاملاته كافة، عندما لا يُثمن، فهل سهل عليه أن يتحمل الألم، وهل عصي عليه أن يشعر بأن طيبته عارٌ عليه لاستغلال الناس له! يا لها من قلوب أصيلة، وأخلاق عالية، جوهرة ثمينة نادرة الوجود في هذه الحياة، لكنها لم تُقدر حق قدرها، وانكسر قلبها.... وبغض النظر عن السبب الكامن وراء ألمهم هل هو عدم تفهمهم لنوازع النفوس البشرية، وعدم تحصنهم بقليل من الأنانية لمواجهة مكر الناس، أم قسوة البشر، إلا أن أحدًا لا يُنكر أن وجود تلك القلوب الأصيلة ينشر الأمن والثقة في الحياة، ويُشيع جوًا من الصفاء، فالحياة إن خليت منهم ومن أصالته لبليت وأصبحت غابة موحشة. - الرياض