أخيراً انتهت معركة رد الاعتبار والحقوق للكاتبة سلوى العضيدان مع الدكتور عايض القرني، بهزيمة مجلجلة للداعية المعروف، والأديب الذي حقق كتابه (لا تحزن) أكبر إيراد لكتاب عربي حتى الآن، مع شيوع ادعاء بأنه استقى بعضه من كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) للكاتب الأمريكي ديل كارنيجي، هذه الهزيمة تحققت بحصول العضيدان لحكم يدفع بموجبه الدكتور القرني مئات الآلاف من الريالات لها ويسحب كتابه (لا تيأس) من السوق. ثم تأكدت تلك الهزيمة بخطاب بعثه القرني للكاتبة يعتذر به اعتذاراً منقوصاً، حيث برر فعله باقتدائه بشيخ الإسلام ابن تيمية، الذي ذكر أنه نقل من كتب مشايخه وكذلك آخرون نحو منحاه وساروا على منهج الاقتباس دون ذكر للمؤلف الأصلي. كلام الدكتور عايض القرني في خطابه للكاتبة سلوى العضيدان، هو كارثة في مفهوم الحقوق الفكرية وكارثة في سلوكيات الرجل المسلم الملتزم تجاه حقوق الآخر، فمفهوم أن العلم مشاع بين الناس الذي حاول تأصيله في خطابه، فيه تظليل ومغالطة كبيرة، فهو لم يقتبس ذلك العلم لينعم به ويهذب النفس به، وإنما اقتبسه وأعاد إخراجه ليكتسب به كسباً مالياً حيث علم أن في ذلك فائدة تشترى، فسعى لاختطاف فرصة الكاتبة في تحقيق دخل من فكرها وتكوين سمعة يشار بها لها، فرجل بشهرته كان يمثل تهديداً لذلك عندما اقتبس من كلامها، فأصبح لدى جمهوره هو الأصل وهي التقليد، وهنا تكمن الكارثة الأخلاقية، فجانب الاعتداء على حقها الفكري تم الاعتداء على سمعتها ككاتبة ومفكرة، وهذا حدث طوال رحلة الكاتبة في استعادة حقوقها، من جماهير ومؤيدي الدكتور ومحاميه الذين شككوا بحقيقة دعواها وذهبوا إلى أنها هي من اقتبس من الدكتور القرني في صورة هجوم عكسي كاد يعصف بمصداقية السيدة الكريمة وسبب لها أزمة نفسية واجتماعية. إن خطاب الدكتور القرني للكاتبة سلوى العضيدان، والذي اطلعت على مقتطفات منه، يؤسس لمفهوم يهدد الإنتاج الفكري في المملكة العربية السعودية، فهو يبرر فعله بما فعله الأقدمون من فقهاء وشعراء، ثم يشير إلى ادعاءات سيقت للتشكيك بنتاج عدد من الشعراء والمؤلفين المشهورين وكأنه يلمح إلى الحكم الذي صدر ضده هو من ذلك الباب، والخطاب مليء بعبارات التمجيد الذاتي، والإسقاطات الأدبية التي يراد بها خلق اتهام معكوس للكاتبة. إن مفهوم الاستباحة للحقوق الفكرية، بحجة مشاعة العلم، أمر مستساغ لدى البعض، وهذا المفهوم للأسف الشديد يستغل في تحقيق مكاسب معنوية ومادية من جهود وفكر الآخرين، وهؤلاء البعض الذين يستبيحون الحقوق الفكرية، عند جدال فعلهم يحتجون باستغلال شركات الإنتاج الفكري واحتكارها لعلم مصدره هبة الله لخلقه، وهم بذلك يجهلون أو يتجاهلون أن معظم الشركات التي تنتج مصنفات فكرية، تبيعها للمرافق التعليمية بأسعار أقل من تكلفتها إسهاماً منها في دعم العلم، ولكنها بالمقابل لا تسمح بأن يستغل منتجها في تحقيق مكاسب مادية دون حصولها على حقوقها المالية، لذا ينشط هؤلاء المعتدين بتوظيف مفاهيم دينية يغطون بها حقيقة مقاصدهم في تحقيق ربح مادي من جهود وفكر غيرهم ويتقون بها المحاسبة الاجتماعية والرسمية. وهنا لابد من الإشادة بوزار الإعلام والثقافة وهي تنتصر لحقوق المؤلف، فهي بهذا تؤسس لقاعدة حقوقية متينة يعتمد عليها كل من يطمح للاكتساب من فكره وجهده، هذه الحماية للحقوق وردع المعتدي عليها ستكون فاعلاً في تنمية الثقافة والإنتاج الفكري بجميع صوره، لذا فهذه الوزارة تستحق الشكر والثناء، ليس من المثقفين المنتجين بصورة خاصة ولكن من جميع من يسعده أن تكون بلادنا مصدراً للفكر والإبداع وموطناً محرماً للاستغلال واقتناص الجهود الصادقة.