«إنها الرهبة ذاتها. حتى الآن لا تزال أوصالي ترتعد في كل مرة أدخل فيها إلى غرفة العمليات لأشارك فريق الجراحين. هناك لا مجال للأخطاء، ولا تقبل الأعذار». في السعودية تمثل نبيهة طاشكندي، مدير التمريض الإكلينيكي للخدمات الجراحية وعضو برنامج السعودة في مستشفى الحرس الوطني، نموذجا نسائيا فريدا، إذ تعمل منذ 17 عاما في تخصص طبي نادر ودقيق هو التمريض في غرف العمليات الذي يتطلب مؤهلاً عالياً وخبرة كافية. ووفقا لفاطمة الذياب، رئيسة قسم التمريض بوزارة الصحة في منطقة الرياض، فإن الممرضة السعودية لا تصل إلى مرحلة العمل في غرف العمليات إلا بعد اجتيازها شروطا صارمة: «يجب أن تكون حاصلة على مؤهل علمي في تخصص التمريض مع مهارة وخبرة كافيتين للعمل في قسم العمليات». وفي غرف العمليات، «لا يخلو الأمر من الرهبة» على حد وصف طاشكندي: «أذكر موقفاً آلمني وهز أركان جسدي. كنت في غرفة العمليات في عملية ضمن برنامج زراعة الأعضاء. وبعد انتهاء العملية التي تضمنت إفراغ الجسد من الأعضاء كنت أحاول بذل قصارى جهدي للتماسك وأنا أنظر إلى الجثة أمامي. كانت الغرفة باردة فشعرت بقشعريرة تسري في أوصالي. كان منظراً مرعبا بحق. لكنني كنت أفكر في الشخص الآخر الذي سينجو بأعضاء هذه الجثة». بالنسبة إلى طاشكندي، فقد تخرجت في جامعة الملك عبدالعزيز «تخصص تمريض»، قبل أن تحصل على شهادة الماجستير من جامعة نيوبرونزويك في كندا، وحصلت هناك على دبلوم إدارة مستشفيات ومنشآت صحية: «عدت إلى السعودية قبل 17 عاماً لأمارس التمريض في غرف العمليات، وشهدت خلال هذه الفترة الطويلة أصعب العمليات وأسهلها، وشاركت أمهر الجراحين وآخرين كانوا على مستوى أقل». غير بعيد عن غرف العمليات، يعمل زوجها الدكتور هاشم بالبيد استشاري أمراض الباطنية وكبار السن بمستشفى الحرس الوطني: «ما زلت أعتبره الداعم الخفي لي ورفيق العمر. إنه يتفهم طبيعة عملي ويتغاضى عن تقصيري غير المتعمد في خدمة بيتي، لا سيما خلال فترة دراستي خارج السعودية. أنا محظوظة بهذا الزوج ليس لشخصيته فقط بل لأنه أيضاً أكبر المؤمنين بدور المرأة الأساسي. وحين أتابع تفوق أبنائي في الجامعة والمدرسة أحمد الله كثيرا. أشعر حينها بفضل الله علي بنجاحي الأسري والمهني». على مستوى العالم، يعتبر العمل في تمريض غرف العمليات تخصصاً نادراً، ويبدو أكثر ندرة في السعودية، التي يعزف الشبان والشابات فيها عن العمل في مهنة التمريض. وبحسب دراسة أجراها متخصصون في جامعة الملك سعود، شملت 2000 موظف وموظفة عاملين في المجال الصحي وكذلك أولياء أمور طلاب وطالبات في 5 مناطق فإن 63% من العينة أشاروا إلى عدم رغبتهم في دراسة التمريض بعد الحصول على الثانوية العامة، بينما لا يفكر 74% في تدريس بناتهم مجال التمريض. ووفقا للدراسة نفسها، فإن أعداد الكوادر التمريضية: «لا تفي باحتياج المملكة في الوقت الحالي، خاصة في ظل الاتجاه الجديد المتمثل في افتتاح كليات للطب دون الشروع في افتتاح أقسام للتمريض في الوقت نفسه. كما أن المشكلة التي تواجه الممرضين والممرضات السعوديات هي أن الغالبية العظمى منهم (نحو تسعة آلاف ممرض وممرضة) غير مرخصين، وتبلغ نسبة هؤلاء 80 في المائة ويصنفون على أنهم مساعدو تمريض وليسوا ممرضين, علاوة على أن المعاهد الصحية تفتقر إلى الإمكانات الكفيلة بتقديم منهج عملي رفيع المستوى». مع ذلك تبلغ نسبة سعودة وظائف التمريض للذكور في المستشفيات الحكومية 100%، -بحسب وزارة الصحة- في حين بلغت للممرضات السعوديات في مستشفيات الرياض 60%. لكن المشكلة الأكبر التي تواجه هذا المجال هي نسبة التسرب التي تقدر بنسبة 50% وفقا للدكتورة صباح أبو زنادة رئيسة المجلس العلمي للتمريض بالهيئة السعودية للتخصصات الطبية. وعلى الرغم من هذه المعوقات، إلا أن فاطمة الذياب ونبيهة طاشكندي، تمثلان شريحة من السعوديات يعملن في تخصصات طبية نادرة ودقيقة. «هناك فروق كبيرة بين التمريض العادي وتمريض غرف العمليات»، تقول الذياب التي توضح أن ممرضة العمليات: «اكتسبت معارف ومهارات أكثر في هذا التخصص. وحتى اللحظة لا يوجد لدينا عدد كاف من ممرضات هذا التخصص النادر. كما أنه لا توجد ممرضة سعودية مصنفة ك(ممرضة عمليات) في منطقة الرياض، لكن هناك تمريضا سعوديا متخصصا تحت مسمى (فني عمليات). وتحصل المتعاقدة وفقا لهذا التخصص على بدل يصل إلى 60%». ويبدو أن مستشفى الحرس الوطني، ماض في تأهيل الممرضات السعوديات للعمل في هذا الحقل النادر، إذ تقول طاشكندي، مدير التمريض الإكلينيكي للخدمات الجراحية، إن مستشفى الحرس الوطني كان سباقاً إلى إطلاق البرامج التدريبية لتخصص الممرضات والممرضين في المملكة منذ ثلاثة سنوات: «نسعى لتنمية خلفياتهم العلمية والتدريبية الإكلينيكية للفتيات وللرجال. لدينا الآن ممرضات متخصصات في غرف العمليات وأخريات في غرف الإفاقة، وممرضات لغرف العناية المركزة وتمريض غرف العناية المركزة للقلب وأخرى للأطفال. إنه برنامج تدريبي تتراوح مدته بين عام إلى عامين». ويبدو أن هذه الجهود آتت ثمارها الممتازة: «يجب أن تتوفر في غرفة العمليات الواحدة 3 ممرضات، لكننا بعد برنامج السعودة التدريبي لتخصصات التمريض أصبحنا نوفر 5 ممرضات، أما العمليات الكبيرة مثل فصل التوائم فتحتاج إلى 6 ممرضات». وتطالب طاشكندي وزارة الصحة بتخصيص مهنة التمريض وتصنيفه على مستوى المملكة بعد نجاح التجربة في مستشفى الحرس الوطني: «أنا متأكدة من أن ذلك سيرفع من كفاءة العاملين في مهنة التمريض».