تم استدعاء المأذون الشرعي إلى بيت العروس، ومجلس الرجال يعج بوجهاء العائلتين المتصاهرتين، وما إن توسطهم الشيخ المأذون، بدأت مراسم عقد النكاح مع احتساء القهوة العربية وشرب الشاي، فنطق المأذون: أين والد العروس؟ (أنا والدها)، هل نأخذ موافقتها، أنا على عجلة من أمري، ولدي عقدان بعدكم، والمواصلات زحمة والوقت لا يسمح بالإطالة، إئذن لي كي أسمع موافقة البنت. أخذ المأذون موافقة العروس، ورجع إلى مجلس الرجال، فسأل عن العريس، فوقف أحدهم وقال أنا والده، فقال له الشيخ، أين ابنك؟.. فإذا بالرجل يرفع جهاز ريموت كونترول، وبضغطة على الزرار، وإذا بشاشة كبيرة ذات خمسين بوصة معلَّقة أمام الجميع قد أضاءت وبدأت تعمل، وتفاجأ الشيخ بظهور شاب يلبس ملابس داخلية ويترنح أمام الشاشة من شدة النعاس! فقال الأب: (هذا هو ابني العريس يا شيخ!)، والآن نحن نكلمه ببرنانج سكايبي على الهواء مباشرة صوتاً وصورة.. انظر بنفسك يا شيخ بالأسفل.. يوجد كمبيوتر متصل بشاشة كبيرة وجهاز صوت سينمائي لوضوح الصوت، وكذلك توجد فوق الشاشة كاميرا تصورنا الآن، وهو ينظر إلينا ونحن نشاهده، أليس كذلك بني؟ نعم أبي.. فأرجوك يا شيخ تفضَّل وابدأ مراسيم العقد.. فقال الشيخ وفي عينيه علامة تعجب بحجم أم رأسه: كيف! كيف! لم أفهم؟ ما هذه الهرطقات العصرية! يا شيخ! الله يرضى عليك سهل الأمور، فابننا مبتعث بأمريكا، ونريد أن نحصّنه بالزواج كي لا يلعب بذيله هنا أو هناك، تعرف هذه الأيام انتشرت إشاعة أن المبتعثين يشربون أم الكبائر، وإذا عادوا إلى بلادنا وفي دمهم الحرام، ستكون فضيحة، ونحن خائفون على أبنائنا من الوقوع في الشبهات واتباع خطوات الشياطين، فقلنا نزوجه من بعد على أي فتاة ونرسلها له.. فقال لهم الشيخ: طيّب دعوه يعود بالإجازة ثم زوجوه! والده: هو لا يستطيع العودة إلى الوطن يا شيخ، ولماذا لا يستطيع؟ إنه من النوع الذي لا يحتمل مقاطعة الأفكار بعد مذاكرة الأسحار! فإذا رجع سينسى المواد التي درسها، وسيضيع مستقبله، وإضافة على ذلك، أردنا أن يحصل على مكافأة المتزوّجين من الدولة، وبعد عقد القران سنرسل العروس إليه، وبذلك يزداد دخله الشهري، ويجد من يعينه ويعتني به في الغربة. (هذه زوجة أم سيارة؟)..لا لا! فاعتذر الشيخ، وقال: هذه أول حالة تمر علي، فحاول الموجودون جهداً أن يقنعوه، بأن الحياة العصرية لها قانونها الخاص، والدنيا أصبحت إلكترونية وكل شيء بضغطة زرار، فهدأ الشيخ وسأل العريس: حسناً حسناً: هل رأيت العروس يا بني؟ فأجاب الشاب بعد أن مدد يديه للخلف وتثاءب أمامهم دون أن يكترث لأحد، وقد ملأ صوت فرقعة أصابع يده السماعات الكبيرة: يا شيخ، أمي وأخواتي ذهبن إلى بيت ابن عمي أبي الغني، واتصلوا بي أن الفتاة أمامهم، فعملوا مسحاً للفتاة من رأسها حتى أخمص قدميها بجوال الجلاكسي، فسألوني هل تصلح: فقلت أوكي الرأي رأيكم وعيونكم أصدق. فجن جنون الشيخ، وقال: لا لا! هذا لا يجوز البتة، خطوبة بالجلاكسي، وعقد قران بالسكاي بي.. أنا أعتذر يا جماعة وسأخرج، والخمسمائة ريال التي سأحصل عليها لا أريدها.. فاجتمعوا عليه، وطلبوا منه أن يعقد القران، فقال أحد الضيوف للشيخ: أنا زرت ابن عمي المنوم بالمستشفى بالآيفون، لأني بمدينة وهو بأخرى.. فاقترب منه والد العريس وهمس بأذنه: يا شيخ، لقد كلفني العشاء لهذه الليلة خمسة آلاف ريال، هذا غير أجرتك، فأرجوك، وأرجوك وأطلبك بالله، أن ترفع السد، وتجعل المياه تجري، ولا تحرجني أمامهم.. هي فقط كلمتان (أنكحتك وزوجتك نفسي، ثم قبلت)، وأعدك أنك ستحصل على رز مع ربع الذبيحة لأولادك! فصرخ الشيخ بأعلى صوته: أنتم مجانين أو أنا مجنون! الدنيا انقلبت وأصبح عاليها سافلها، كل شيء أصبح بالشاشة والكمبيوتر، حرام عليكم، الزواج أعظم وأعز مشروع إنساني، تخطبون وتزوجون بالجلاكسي، الحديث بين العائلة بالجلاكسي، الطبخ بالجلاكسي، زيارة الوالدين بالآيفون.. طيب فرضاً تم مسح فتاة على أنها العروس، وتم العقد على أخرى، كيف سيتحجج الشاب، وكيف سيثبت أنها الفتاة التي وافق عليها، فكم فتاة تم تبديلها بعد رؤيتها بالعين المجردة، فما بالكم بالآيفون وغيره، فقاطعه أحدهم، يعمل لها صورة بجواله أثناء النظرة الشرعية، ويطالب بها. فوقف الشيخ وقال: أنا أعتذر وهنيئاً لكم العشاء فرن جوال والد العريس (الآيفون) وإذا بابنه الكبير يظهر أمامه بالشاشة، ويقول له: أبي أنا أكلمك من المطعم، انظر إلى الطبخة، أعتقد أنها غير المواصفات التي طلبناها..نحن طلبنا مظبي، وهذا الذي أمامك بالصورة مندي!