أستاء كثيراً عندما أقرأ تعليقاً نقدياً لرجل، ينتقد فيه كتابة المرأة، ويصفها بالذاتية، أو التمركز حول الرجل، وكأن هذه المواضيع أقل شأناً من غيرها أو أقل إبداعاً! لكني استاء أكثر عندما أجد المرأة ذاتها تكتب تعليقاً مماثلاً عن نصوص النساء! والسؤال هنا: لِمَ تتبنَّ المرأة مقولات النقاد الذكور، وترتدي جلبابهم حين تقرأ نصاً كتبته امرأة؟! هل تريد أن تثبت لهم أهليتها التامة في النقد؟! وهذه الأهلية لن تتم ما لم تصادق على مقولاتهم التي تخص المرأة! (نص المرأة يدور في الغالب حول الرجل) (نص المرأة رثاء للذات المسحوقة) و(أن المرأة لم تكتب النص الذي يناقش قيمة الوجود والإنسان والمسائل الفكرية العامة) هذه المقولات التقليدية لأدب المرأة يقولها الذكور من الكُتّاب والنقاد في كل أمسية قصصية تُقام، وتشارك فيها امرأة. والمرأة/ الناقدة هنا لم تخرج عن وصاية النقد الذكوري وهي تردد المقولات ذاتها، مثلها مثل الداعيات الإسلاميات اللواتي لا يبحثن في الفقه الإسلامي عن نوافذ للمرأة، بل يكرسن الفقه الذكوري، ويثبتنه عبر محاضرات تدعو النساء إلى ما يريده المتدين الذكر. قلة من الداعيات من لديها توجُّه منفتح في النص الفقهي الخاص بالمرأة، فهي لا تخرج عن عمامة الفقيه الرجل ولا تخدم المرأة بالبحث عن الفقه الأنثوي المغيب، تكتفي بما يقدمه الرجال من فقه أسميه ذكورياً خالصاً، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وواجباتها! وعندما تُثار قضية خلافية حول المرأة تتبنى الجانب المضاد للمرأة، وتدلل على وجاهة الرأي الآخر وكأنها بذلك تثبت ولاية الرجل المطلقة عليها في كل ما يتعلق بشأن البحث والاجتهاد! المرأة التي تصف كتابة النساء بالذاتية المفرطة، وتقلل من شأن هذه الكتابة، تنطلق في فكرتها من نظرة الناقد/ الرجل الذي يستنقص من قيمة النص النسائي؛ لأنه نص (أنثوي)، ويرى من النقص أن تكتب المرأة عن الرجل ولا تكتب عن شيء آخر. هذه الفكرة العمياء عن نص المرأة هي شكل من أشكال التمييز ضدها، وهذه الفكرة لا تتقدم ولا تنمو بنقد بنَّاء يستحث القارئ لمساءلة وعيه، بل تظل فكرة عرجاء لا تسير بشكل مستقيم، مقولة تتردد كشتيمة مهذبة، يتم فيها تجنيس الكتابة؛ وبالتالي التقليل من شأنها نسبة إلى جنس كاتبها! من أين تكتسب الكتابة قيمتها؟! من موضوعها؟! أم من طرحها ذاته؟! من لغتها وتراكيبها؟! أم من صياغتها وقدرتها على اجتراح درب جديد للرؤية؟! كثير من الكتابات النقدية التي تكتبها المرأة لا تخرج عن عباءة النقد الذكوري، الاتهامات نفسها، والنظرة المترددة ذاتها تجاه محدودية ما تكتبه النساء، وكأن الكتابة أجندة جاهزة موضح فيها ما هو محدود وما هو مطلق!