لم يقتصر دور وزارة الثقافة والإعلام على الرعاية الإدارية والفنية والتنظيمية لشؤون الثقافة والإعلام، وإنما تجاوز نشاطها عقد المؤتمرات والندوات الإعلامية والثقافية التي كان آخرها (ملتقى المثقفين) الذي انطلقت فعالياته مطلع شهر صفر عام 1433ه، تجاوز عمل الوزارة هذه النشاطات في جداول المصالح الإيجابية لكل عناصر الفكر والثقافة والإعلام بالإضافة إلى دعم قنواته المتعددة المتنوعة، تجاوزت الأعمال تلك النشاطات والفعاليات إلى ما يتناغم مع هواجسنا ومشاعرنا وأحلامنا المتمثلة في العناية بالثقافة والفكر والأدب، حيث أصدرت (وزارة الثقافة والإعلام) ثلاثة مجلدات ضخمة تضم أجزاء خمسة أولها: مختارات من الأدب السعودي ويضمُّ جزأين: الأول عن الرواية، والثاني عن السيرة الذاتية، والمجلد الثاني يضمُّ الجزء الثالث الخاص بالمختارات الشعرية لنخب من الشعر المعاصرين، والشاعرات المعاصرات، والمجلد الثالث يضمُّ جزأين أحدهما عن القصة والثاني عن المسرح، وفي كل منهما مختارات من النصوص القصصية والمسرحية لنخبة من كتّاب القصة والمسرحية المعاصرين. صدرت هذه المختارات من الأدب السعودي بإشراف الأستاذ الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام الذي يُعدُّ أحد الأقلام الإبداعية في الميدان النثري والشعري، مما يؤكد الاهتمام والعناية بالهَمّ الفكري والثقافي، ويحرِّض على الارتقاء بعناصره وتجلّياته الإبداعية. في حضرة التجلّيات الشعرية تحتفلُ الذاكرة والوجدان، وتستمتعُ الأذن والملتقى والمنتديات، وتبتهج بكلِّ ابتكارات التجلّي الشعري الذي تنتخب منها نماذج من قصائد الشعراء الذين حضروا في مختارات الأدب السعودي. نفتتح اختياراتنا بنبضات من القلب المفتوح من هواجس صاحب القلب المفتوح الدكتور عبدالعزيز خوجة من قصيدته (على الدنيا السلام) التي تقول أبياتها المعبرة: للقبِ رؤيا.. لا تراها العينْ مثل فواتح الأشعارِ في قصص التولُّه والهيامْ وكأنه لعزٌ، وأحجيةٌ وزلزال يجيء فجاءةً، نارٌ تُبدِّدُ كلَّ أشكال الظلامْ، وتُكمِّل المعنى سهامْ.. من سنى النظرات واللفتاتِ يكتبنَ التمائم للغرامْ خدَرٌ يصيبُ حواسَّنا كي لا نرى إلا حبيباً واحداً وسط الزحامْ، وأقول: ذا قدري تجلّى بين أقمار المجرّة، والأنامْ! ويُترجمُ المعنى نداءُ عواطف الأجساد، تفعلُ ما تشاءُ وحينها صمتَ الكلامْ!! تتساقط الأشياءُ بين تلهُّفي كلُّ الحواجز والموانع منذ أن بدأ الوجودُ لوقت ما سكبت شفاهُكِ من مُدامْ! وأقول: إني قد عرفتُ مكامن الآهات والأوتارِ، والحبّ المسربل بالضِّرامْ! أدركْتُ معنى الآه في لقيا الهوى وجموحَها المبحوح، وانفلتَ الزِّمامْ!! ويواصل القلبُ المتدثّرُ بالحبِّ هطوله عبْرَ مشاعر فياضةٍ بالأمل المنسجم مع إشراقة وجه الحبيب: وتقول: هيّا.. كي نواصلَ دربنا نحو السحابْ إلى سماءٍ فوقَ أجنحة الغمامْ وكأنّنا روحان يلتقيان.. في سربٍ.. تزاحم بالحمام!! وتقول: أُنظرْ في بروق النّجم عن عيني، ولا تسألْ على الدُّنيا السّلامْ!! وتأخذنا الرحلةُ الوجدانيّةُ - عبر الأثير- نحو تجلّيات القلب المفتوح، وابتهالاته التأمليّة المشرقة بالحضور الوديع: للقلبِ طلْسمُه، وسرٌّ مفتاحهُ بيد الإله، لكنّ بين الآه، والجسر المؤدي للعناق، لمنتهاه، خطرُ السقوط إلى مهاوي الجمر، في أقصى مداهْ ! سرُّ الهوى في خطفةٍ - كالبرْق- تأخذنا إلى آهٍ، وآهْ، ونكونُ لا ندري، ولم نرقب، ولم نعرفْ، ولم نسمعْ نداهْ، هي نظرةٌ، أو لهفةٌ، أو أيُّ شيءٍ غامضٍ، - ويرقُّ قلبٌ، أو تذوبُ حشاشةٌ- ويطيبُ أسرٌ في جفاهُ، وفي صفاهْ! ويزلزلُ السرُّ الدّفينْ! يفجّرُ المخبوءَ.. لا نخشى صداهْ! مطرٌ تساقط من سماهُ إلى الضُلوعْ، ومن الشفاه الظامئاتِ، إلى الشفاهْ! في لحظةٍ نهرٌ تفجّر من هنا.. من أرضِ مهمهةٍ، وقلبٍ كان صحراهُ فلاهْ! كيف استحالت فجأة خضراءَ.. تتبعُ بالمياه؟! هذا هو السرُّ الدَّفين! كمثل ما بدأت على الأرض الحياةْ! وتظلُّ الذاكرةُ والوجدان يرتحلان من هواجسنا المبتهلةِ بأزكى الدعوات لهذا القلب الحنون أن يظلَّ مكتنزاً بالبهجة والسعادةِ والتفتح الإنساني المسكون بالبراءة والانتشاء ليظلَّ متفائلاً يعبِّرُ للحبيبةِ «الوطن» وللحياة إذ يقول: يا أنتِ، والألحانُ والقمرُ كيف التوحُّد تمَّ والخطرُ؟ حلمُ الفراشة ظلَّ سكنُنا والجمرُ في الأضلاع يستعرُ رقصتْ - مع الأكوان- أوردتي والخافقُ الولهان لي وترُ وسرت مع الأنسام بسمتُها فيها تجلّى الحبُّ، والقدرُ وتلبّستْني رعشةٌ عصفتْ نيرانُها، والبرقُ، والمطرُ صرتُ القصيدةَ، والهوى طرِبٌ والشعر يعصرني ويعتَصرُ صرْتِ الرُّؤى، والكونُ أجمعُهُ والحسنُ في عينيك يُختصرُ والشعرُ؟ ما الكلمات؟ ما نغمي؟ قلبي لها العنوانُ، والخبرُ* ولا بُدّ لنا قبل أن نختتمَ رحلَتنا الوجدانيّة أن نتوجَّهَ إلى القلب المتدثّر بالفأل والحنان والتجلّيات المشرقة، فنمحضَه فيضاً من مشاعر الهواجس مأهولةً بالتفاؤل والبوح الشفيف.. تقول: لوجهكَ فينا، والبشاشة نورُ وفيضُ «حنانيكَ» البريء حضورُ وبسمتُكَ الدفْقُ المشتِّتُ حزنَنا وإلماحُك البْرقُ المدلُّ عبيرُ كفاءةُ بوح الشاعرين بشائرٌ وعزمةُ وعدِ الصَّادقين حبورُ وفي منتدى الفكر المضيء ثقافةٌ تضيءُ رؤى الإعلام وهي تديرُ يبلْورُها وعيَ الصياغةِ شاعرٌ حكيمٌ بتدبير البيان بصيرُ تدفّقُ بالذكرى الجونُ ولفتةٌ تُحلقُ بالإبداع وهي تمورُ مع كل إشراقة مبهجة، وكلِّ أمسية هادئة تجدِّدُ أنسجةُ الوجدِ والتألّقِ والحضور في مهرجان الحياة المتدثّر بالفأل والأمل والتجلّيات الطامحة إلى الارتقاء. إلى لقاء آخر مع رحلات الذاكرة والوجدان في هواجس أخرى متجددة.