الفندق بارد والباب الزجاجي منتظر ابتسامته التي تفيأت بظلال الموت,, لن يأتي ذاك الرجل,, كل عام,, منذ عشرين عاما حين دلف لأول مرة ابواب مكة زائرا,, معتكفا,, متعبدا رمضان من كل عام تبعه كل العقلاء والطيبون,. وكما يقال,, العائلات عمادها رجل واحد فاذا هوى تفرقت شيعا,. مات,, وكنت أظن انني اعرف طعم الحزن,. لكن بعده عرفت ان فوق الحزن عباءة المر الذي يفقدك طعم الاشياء وان الدنيا أرتنا وجهها القبيح وسوء لياليها رجل,, كنت أراه قويا,, عفيا مليئا بالثقة والكبرياء، ومن أولئك الناجحين في الحياة جاهد المرض سنوات وكان مبرر ذلك الجهاد عشرات المشاريع له وللناس وللخير يعمل وحيدا,. وحين تسأله,, يبتسم ويشير الى يديه وقدميه ورأسه كل هؤلاء معي,, فريق عمل مخلص وحتى آخر رمق لم يكن مجبرا,, بل راغبا علم من حوله حكمة,, ان العمل فريضة سادسة وحين يقولون له اعط نفسك راحتها فلديك ما يكفي يتكئ على عصاه قائلا: وكيف اكون أنا؟ وهل أقطع صلتي بالله؟ يتابع باندفاع فتصرعه نوبات المرض ويغرق فراشه بالعرق والأرق,. وفي الصباح,, يجلس بين العمال يشعرهم بالاهمية وبأنهم يداه وعصب حياته عند مدخل فندق (زهرة مكة) كانت المآذن تسأل والمحرمون الاوابون ينادون موحدين للواحد الاحد,, الغائب,, الحاضر الذي عزه بين الخلائق بطيب الذكر وهيبة الاسم وصبغ ظاهره وباطنه,, بالإيمان والرفعة ان يتغمده بالرحمة الواسعة أليس العالم بأنه عبده الذي أفنى عمره في كل عمل له ثمرة وعائد,. والشيخ الجليل الذي اكرمه الله بأن يكون من عتقاء الدنيا وطلقائها والمريض الذي خالطه الموت,. ,, وهو يناجيه,, مهللاً,, ومكبرا ولم يثرثر,, بوساوس الضمير ولم يرقد رقدته الأخيرة الا وكان ذلك العبد الحافظ لذكره,. الصموت,, الذي تغضي له عيون الزوار حياء وإجلالاً أبي,, منك تعلمنا ان نزين وجوهنا بالصورة البهية لأنك تركت لنا إرثا أعظم وهي النية الصافية,, والصدق مع الذات والقوة,, والعزة. فلن نكون بعدك الا الأشداء,, لأنها صنعتك ليبقى ذكرك عاليا,. ولنكون جديرين باسمك,. أبي,, وهذا الشهر الكريم يجمعنا بدونك لا أملك إلا رفع اليدين الى اعز من دعي وأكرم من اجاب بأن يبرد عليك في قبرك وان يفتح لك أبواب جناته وأن يجمعنا بك في مستقر رحمته لقاء لا فراق بعده. ,, إن الوداع من الاحباب نافلة للظاعنين اذا ما يمَّموا بلدا ولست أمدي اذا شط المزار غداً هل تجمع الدار ام لا نلتقي ابدا