عندما نستعرض الحياة العلمية لأبي الفتح عمر بن إبراهيم الخيام والخيامي، نعجب لذيوع صيته في العصور الحديثة كشاعر في الشرق والغرب, لأننا عندما نقرأ المصادر المعاصرة له والقريبة من عصره لا نجد أحدا من الباحثين على كثرتهم يذكر شيئا عن معاناة الخيام للشعر، أو لنقل بعبارة أوضح أنهم لم يعرفوا للخيام اهتماما أو تعلقا بالشعر يدخله في حلبة الشعراء الفرس في عصره. فهذا العروضي السمرقندي، وهو من أوائل بل أول كاتب إيراني تحدث عن الخيام في كتابه الشهير (جهار مقاله) أي المقالات الأربعة, يقول السمرقندي متحدثا عن تتلمذه على يد الخيام: (وفي سنة ست وخمسمائة (506ه) نزل الإمامان عمر الخيام ومظفر الأسفزاري في سراي الأمير أبي سعيد جرة الواقعة بمدينة بلخ في شارع النخاسين (برده فروشان) فسمعت الخيام في مجلس السمر يقول: (سيكون قبري في موضع تهب عليه ريح الشمال، ويفوح منه رائحة الورود الحمراء في كل ربيع) فبدا لي هذا القول هراء، واستثقلته من رجل امام كالخيام، أعرف أن مثله لا يرسل القول على عواهنه. فلما زرت نيسابور سنة ثلاثين وخمسمائة (الجمعة) كانت قد مضت بضع سنوات على موت ذلك الرجل العظيم (الخيام) وصارت الدنيا يتيمة بفقده ولما كان له عليّ فضل الأستاذية فقد ذهبت لزيارة قبره يوم الجمعة,,, فرأيت قبر الخيام تحت جدار بستان قد أطلت منه أشجار الكمثرى والمشمش وتناثرت زهورهما على قبره، فتذكرت حديثه في بلخ فغلبني البكاء,. ونلاحظ في مقالة السمرقندي الآنفة أنه لا يحدثنا بشيء عن شاعرية الخيام ولو عرف السمرقندي شعراً للخيام لأورده في كتابه (المقالات الأربعة) الذي ألفه السمرقندي أصلاً للحديث عن وجوب توفر الشاعر والكاتب والطبيب والمنجم في بلاطات الملوك. كما نرى باحثاً آخر هو شمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري صاحب كتاب (نزهة الأرواح وروضة الأفراح في تواريخ الحكماء المتقدمين والمتأخرين) يحدثنا عن الخيام فيلسوفاً وعالماً وفقيهاً لغوياً، ولا يذكر شيئاً عن شاعريته, يقول الشهرزوري: (عمر الخيامي النيسابوري الآباء والبلاد، كان تلواً لأبي علي بن سيناء في أجزاء من الحكمة, الا أنه سيىء الخلق، ضيق العطن,, وله ضنَّه بالتصيف,, وله مختصر في الطبيعات، ورسالة في الكون ورسالة في الوجود). وقد عرفت للخيام الى جانب مؤلفاته ونشاطاته العلمية بعض الكتب والرسائل مثل رسالة (الجبر والمقابلة) التي تعتبر من أهم الكتب الرياضية التي ألفت في القرن السادس الهجري، وقد ترجمت الى الفرنسية, ترجمها راندولف (***) وكتب لها مقدمة علمية ضافية تناول فيها تاريخ العلوم الرياضية عند المسلمين. كما أن للخيام كتاب (نوروزنامه) أي كتاب النيروز، يتحدث فيه الخيام عن بداية عيد النيروز عند الفرس وكيفية احتفالهم به، وفي عهد أي ملك من ملوكهم شرع هذا التقليد القومي، وما هي الرسوم والآداب الواجبة الرعاية عند الاحتفال بهذا العيد الذي ما زال الفرس يحتفلون به إلى اليوم. هذا عقل الخيام وثقافته, فكيف كان عصره؟ هذا ما سنراه في الورقة القادمة إن شاء الله.