تحمل الأنباء المتواترة عن الخطوات الأمريكية القادمة مابعد أفغانستان ما يخيفنا ويلهب مشاعرنا فهناك تصريحات متضاربة عن احتمالات قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بتوجيه ضرباتها إلى دول عربية وإسلامية أخرى، ورغم التضارب في التصريحات مابين التأكيد والنفي إلا أنها تجعلنا نعيش في قلق وترقب وتساؤل إلى أين تتجه الضربة الأمريكية القادمة؟ وماهي سيناريوهات تلك الضربة؟ وماهي الدولة العربية أو الإسلامية التي سيأتي عليها الدور بعد أفغانستان؟ ويزيد من الوقع السيىء لهذه التساؤلات قسوة تعبيرات الرئيس الأمريكي بوش حول الحرب على الإرهاب وتعقبه في كل مكان الأمر الذي تزداد معه الترشيحات لدول عربية وإسلامية أخرى منها ما أظهره بعض المسؤولين في الإدارة بأنها قد تكون العراق أو الصومال أو الفليبين وقد كانت البحرية الأمريكية تقوم بعمليات استطلاع جوية في الأجواء الصومالية حيث يسود اعتقاد بوجود لتنظيم القاعدة في أراضيها، كما ان هناك جدلا دائرا داخل الإدارة الأمريكية حول كيفية التعامل مع العراق في الفترة القادمة وكذلك كيفية التعامل مع منظمات المقاومة العربية والإسلامية التي تم تصنيفها من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية في قائمة الإرهاب. عن الضربة الأمريكية القادمة.. أين ولماذا، وماهي سيناريوهاتها وأثارها على الدول العربية والعالم ورؤية القانون الدولي لها قامت الجزيرة بهذا الاستطلاع الموسع الذي شارك فيه نخبة كبيرة من المحللين والمفكرين وخبراء الاستراتيجية وخبراء القانون الدولي. يرى الدكتور حسن نافعه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إنه بالرغم من ان الموقف الأمريكي مابعد أفغانستان يحيطه الغموض إلا انني استبعد مسألة ضرب أي دولة عربية، ورغم السيطرة الأمريكية العسكرية الحالية على أفغانستان وظهورها كقوة عسكرية لها كلمتها ووجودها في العالم إلا انني أعتقد انها لن تكون الوحيدة المسيطرة ولها اليد العليا مابعد أفغانستان فهناك العديد من الدول التي تتعارض مصالحها مع مصالح أمريكا فيما بعد انتهاء هذه الحرب وتتوسع رقعة هذا التعارض مع استمرار أمريكا في إعلاء الكلمة العسكرية وقيامها بتوجيه أي ضربات لأي دولة أخرى، وحتى مصالح هذه الدول تتعارض مع المصالح الأمريكية في حال لو أرادت أمريكا السيطرة الكاملة على أفغانستان فمثلا الصين هل ستترك حدودها الغربية في حالة ضرب باكستان مثلا وهل لا يكون لروسيا أي دور وهي في خط التماس مع أفغانستان من الحدود الشمالية في حالة ضرب دول أخرى بجوار أفغانستان؟ أما عن توجيه الضربات إلى دول عربية فهذا من شأنه ان يثير ثائر الشرق الأوسط كله وتتعرض أمريكا لخسارة فادحة ولكن من الممكن ان تستمر في ضربها للعراق أو تكثيف الضربات عليه أما بالنسبة للصومال فليس فيها شيء يحقق مصالح من ضربها وكذلك السودان وحتى حزب الله فمن الصعب ان توجه له أمريكا الضربات لانها بذلك ستشيع الفوضى في العالم وتخلط عن عمد الإرهاب بالمقاومة المسلحة وأعتقد ان المسؤولية الأمريكية على وعي أكثر من ذلك ورغم كل ذلك أقول ان الموقف الأمريكي يكتنفه الغموض فيما بعد أفغانستان ولكن استبعد مسألة ضرب أي دولة عربية والأحداث الجارية في أفغانستان لا يمكن لأمريكا ان تضع نهايتها وحدها ولا ان تبقى مسيطرة عليها تماما فحتى باكستان وهي حليف أمريكا الحالي في الحرب لايمكن ان تتقبل سيطرة أمريكا على أفغانستان لان هذا لايتفق مع مصالحها والمسألة لابد ان تصل إلى نقطة من التفاوض بين الأطراف لصياغة المستقبل. * دول مارقة ويقول محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: انه من المعروف ان أمريكا أعلنت عن احتمال توجيه ضربات بعد أفغانستان وأطلقت على عدد من الدول وصف الدول المارقة وهذه الدول هي العراق وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا وإيران وتتعامل معها أمريكا على انها دول خارجة عن السيطرة وتضعها تحت مسميات مختلفة مثل الراعية للإرهاب أو المناهضة للسياسات الأمريكية أي لا تعمل في دائرة التحالفات الأمريكية، لكن هناك عوائق عديدة تجعل من الصعب ان يتم توجيه ضربات لها وذلك لعدة أمور منها تنبه الدول الأوروبية لدورها وقد أصبحت بعض هذه الدول تواجه الأهداف الأمريكية وتحفظها لضرب دول جديدة ومطالبتها بالتأني في حال ضرب أي دولة جديدة دون قرار من مجلس الأمن وبعد إثبات رعايتها للإرهاب بأدلة وبراهين قوية وحول إمكانية خضوع أمريكا لضغوط إسرائيل لضرب دول عربية يقول د. السعيد ان هذا الاحتمال غير وارد في ظل التوجيهات الجديدة للسياسة الأمريكية والتي تركز في المقام الأول على حماية أمنها القومي وحماية أراضيها بعد ان كانت تضع هذا الأمر كمسلمات أو تراه أمرا مفروغا منه، وبعد ان عانت من نتيجة مساندة دول أخرى مثل أفغانستان فانقلبت عليها بضراوة لذا ترى عدم معاملة اسرائيل مثلما كان في السابق وفي نفس الوقت لاتنقطع مساعدتها ودعمها لها لكن ليس مع تدليلها بحيث تصبح مهددة لمصالحها في المنطقة وخاصة بعد ما وجدت أمريكا نفسها مكشوفة أمام العالم وتحمي سماءها لأول مرة في تاريخها قوات من حلف الناتو وأصبحت أولوياتها الآن حماية الأمن الداخلي من التهديد واستعادة هيبتها ومن أجل ذلك خاضت الحرب في أفغانستان أما عن توسيع نطاق الحرب فهذا له حسابات أخرى ومصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية متشابكة في المنطقة بخلاف مصالحها في أفغانستان وعلى ذلك استبعد ضرب دول عربية في الفترة القادمة. * حسابات مختلفة ويرى الدكتور أحمد يوسف مدير معهد البحوث والدراسات العربية: ان توسيع نطاق الحرب وامتدادها إلى دول أخرى هذه من المقولات التي راجت في الفترة الأخيرة ولكن كيف فأمريكا ورغم التصريحات المعلنة عن إمكانية اتساع الحرب لتشمل دولاً أخرى لاتستطيع في الوقت الحالي خوض هذه الحرب لانها ببساطة قد دخلت حرب أفغانستان بحسابات غير ا لحسابات التي ستدخل بها حربا ضد دول أخرى، فعلى الأقل ستتوقف بعد انتهائها من أفغانستان لفترة حتى تعيد حساباتها وترتب مصالحها ثم تبدأ في ا ختيار الدولة التي ستصب عليها هجومها الجديد ولكن هذا من الصعب حدوثه لان قيام أمريكا بتوجيه ضربتها القادمة لدولة عربية سيؤدي إلى خلل كبير في المنطقة وتتأثر الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها لان لها مصالح عديدة في الدول العربية كما انه لاتوجد ضرورة لأمريكا لشن هذه الحرب اما عن قيامها بضرب منظمات المقاومة الإسلامية فلن تحاربها بجيوش وطائرات وقاذفات الصواريخ الحارقة مثلما حدث في أفغانستان ولكنها ستلجأ لطرق أخرى تتناسب مع وضعية هذه المنظمات وخاصة انها معروفة وليست مختفية كالإرهاب من جهة أخرى أؤكد استبعاد ان تحارب الولاياتالمتحدةالأمريكية دولا أخرى لان قوتها الحقيقية أصبحت معروفة فبعد ان كانت تدعي انها تستطيع ان تحارب في سبع جبهات بنفس القوة اتضح مع حرب أفغانستان انها لا تستطيع ان تكسب حربا وحدها لذا استعانت بالقوات البريطانية وبقيام تحالف دولي ولذلك لابد ان تنتهي مشكلة أفغانستان تماما ونهائيا قبل أن تبدأ أمريكا التفكير في بدء حرب جديدة فمفهوم الحرب في أفغانستان مختلف تمام الاختلاف عن قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بحرب أخرى في دول أخرى وخاصة الدول العربية. الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدولي: يرى ان أمريكا تعيش حاليا في حالة من الغموض لم يسبق لها مثيل فهي كالأسد الجريح الذي يبحث عن أي شيء لينهشه ولا أحد ينكر ان ماتعرضت له أمريكا كان قاسيا ولكن هل يكون من نتيجة ذلك تدمير كل شيء داخليا وخارجيا، فهذا مانراه إزاء مشروع قانون الإرهاب الجديد في أمريكا والذي عرض على مجلس الشيوخ الشهر الماضي والذي يعطي لأمريكا ولأول مرة في تاريخ القانون الحق في معاقبة مجرمي دول أخرى يرتكبون جرائمهم على أقاليم دول أخرى في ظل سيادات دول أخرى وقواعد قانونية أخرى فهذا الأمر خطير ويدفعني للقول ان الحرب الأفغانية ستتسع لتشمل دولا أخرى تحت دعوى مقاومة الإرهاب فبمقتضى هذا القانون لايبقى في العالم سيادة غير سيادة القوة الأمريكية، فالولاياتالمتحدة تقوم حاليا على الشك في الآخرين بمجرد الاختلاف معهم ولا تستطيع التغلب عليهم إلا بالقوة العسكرية لذا فأنا لا استبعد توجيه ضربات أخرى أما عن كيفية ذلك فمتروكة للمستقبل. ويرى اللواء والخبير الاستراتيجي أحمد فخري: انه قد اتضح من الحرب الأفغانية ان أمريكا لديها مخطط واسع لايقتصر على أفغانستان فحسب بل يتعدى ذلك إلى دول أخرى وهذا المخطط بدأ تنفيذه في آسيا وقد يكون للتصدي لأي تقارب لدول المنطقة هناك أو لضرب المنشآت النووية في باكستان بعد إسقاط نظام طالبان تماما وقد يكون لتوجيه ضربات لدول عربية أخرى كالعراق أو ليبيا او الصومال أو اليمن لترتيب خريطة المنطقة وفق الأوضاع الجديدة لتكريس الهيمنة الأمريكية على العالم وأعتقد ان هذا المخطط سيتم على مراحل، والمرحلة الأولى فيه قد تبدأ بعد الانتهاء من أفغانستان وهي ضرب باكستان فرغم تحالفها الحالي معها إلا ان أمريكا تنقلب دائما على حلفائها وحربها ضد طالبان خير دليل، وسواء ستضرب بطريقة باكستان مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الهند فإنني أعتقد ان المفاعل النووي الباكستاني سيتم ضربه في هذه المرحلة أما المرحلة الأخرى فستقوم فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية بتوجيه ضرباتها على دول عربية وذلك بناء على اقتناعها بأنها لابد ان تقضي على جذور الإرهاب في كل العالم وتعتقد ان منظمات المقاومة المشروعة هي منظمات ارهابية، ولو افترضنا ان السياسة الأمريكية اكتفت بأن ترد على الأحداث التي حدثت لها وترد على كل دولة تشعر ان بها ارهابا فنحن في هذه الحالة نكون في طريقنا إلى عدم الاستقرار في العالم لان الأسباب التي ولدت هذا الإرهاب مازالت موجودة والخصوم ضد الولاياتالمتحدة سيبقون موجودين، والدول العربية كغيرها من بلدان العالم في موقف صعب بسبب هذه المواقف الأمريكية التي لاتريد الحلول الوسط لذا وجدنا تأكيد الولاياتالمتحدة في بدايات الحرب على الانحيازات الصريحة من الدول فمن ليس معنا فهو ضدنا لذلك وجدنا بعض الدول انحازت معها والبعض الآخر له عداءات معها فلا يوجد تعاطف معها ومن ثم ستبدأ أمريكا بالتضييق على الدول التي صنفتها في قائمة الإرهاب لتسليم الإرهابيين وحصارها ثم توجيه الضربات لها. * المرحلة التالية ويؤكد الدكتور مصطفى علوي استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: ان حرب أفغانستان هي المرحلة الأولى من مراحل الحرب التي تخوضها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإذا كانت قد نجحت حتى الآن في المرحلة الأولى فانها لاتضمن تنفيذ المراحل التالية والمعنى من ذلك هو ان هذه الحرب ستتسع لضرب حركات ومنظمات تندرج تحت التعريف الأمريكي للإرهاب مما يجعل المواجهة أكثر تعقيداً للولايات المتحدةالأمريكية التي ستؤلب عليها دولا وجماعات وشعوبا عربية وإسلامية كثيرة فحتى أيام مضت كانت أمريكا حريصة على الا تزج ببعض حركات التمرد الوطني في قائمة الإرهاب مثل حزب الله وحماس والجهاد الفلسطيني ولكن بعد ان فشلت الجهود الأمريكية في المنطقة سارعت أمريكا إلى ضم هذه المنظمات إلى قائمة الإرهاب بما يعني ان نطاق هذه المواجهة يمكن ان يتسع لضرب دول مثل لبنان وسوريا وليبيا واليمن والسودان وغيرها مما يؤكد أن أمريكا يمكن ان تجد نفسها خلال السنوات العشر القادمة في مواجهة مع العالم كله وقد تجلى هذا في أكثر من موقف ولنا ان نذكر قبل حرب أفغانستان ما حدث في ديربان بجنوب أفريقيا وقبلها في جنوب ايطاليا وقبلها في سياتل، وأخطر من هذا كله هو طرد أمريكا من لجنتين من لجان الأممالمتحدة لأول مرة في التاريخ، الأولى لجنة حقوق الإنسان والثانية من لجنة مكافحة المخدرات وقد خرجت أمريكا من اللجنتين بالتصويت مما عكس رغبة دول العالم في رفض الهيمنة الأمريكية والعولمة والتصدي لها وهذا يعني ان امريكا تقف اليوم في مواجهة العالم، هذا العالم الذي كان يقاوم الهيمنة الأمريكية بشكل خافت أصبح يقاومها اليوم بشكل علني وهذا هدف من أهداف الحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان وعلى هذا سوف تستمر أمريكا في مراحل تالية من حربها هذه وتتسع لتشمل دولا أخرى. أما الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم فيرى: ان حرب أفغانستان هي البداية فالولاياتالمتحدةالأمريكية تسير على طريق الغموض المريب حيث نجد مسؤولين أمريكيين يصرحون بأن أفغانستان ليست نهاية الطريق، وآخرون يلمحون إلى ان الضربة القادمة موجهة نحو العراق، ويتجه آخرون نحو إشعال اللهب والإشارة إلى حزب الله والمنظمات الإسلامية الأخرى، كل هذا يعني ان حرب أفغانستان ليست مجرد در فعل على الانفجارات التي حدثت بها لكنها جزء من خطة أمريكية واسعة إلا ان مركزا بحثيا أمريكيا يسمى معهد مشروع القرن الجديد يتبنى دعوة تحقيق الامبراطورية الأمريكية وكثير من المراكز البحثية الأمريكية تنتهج نفس الطريق، ولكن بنظرة سريعة على الوضع الحالي نكتشف ان أمريكا لم تستطع خوض الحرب ضد أفغانستان وحدها بل لجأت لكل دول العالم للوقوف معها فهل الدولة التي تعجز عن خوض هذه الحرب وحدها قادرة على قيام امبراطورية، لذا فالحرب لن تنتهي بتدمير أفغانستان بل تتسع وتشمل دولا أخرى وهاهو السفير الأمريكي في إسرائيل يكرر ويؤكد ان إسرائيل ستكون شريكا في تحالف عسكري مع أمريكا، كما ان الأحداث منذ بداية الحرب تسير بخطى متلاحقة وسريعة جدا لذلك يصعب التكهن والتحليل للمستقبل ومن ثم لا يستبعد احتمال ان تقوم أمريكا بشن حرب ضد أي دولة أخرى ترى ان ضربها يحقق مصالحها ويتوافق مع مستهدفاتها في دعواها للقضاء على ماتسميه الإرهاب في العالم وأرى انه إذا كان من الاحتمالات ضرب دولة عربية فيجب على كل الأمة العربية والإسلامية ان تأخذ موقفا موحداً ضد أي اعتداء عليها.