كثرت الكتابات الصحفية عن تقاعد المرأة منذ أن أعلن أن مجلس الشورى قد درس ذلك، وأقرّ تحديد سن الخمسين، سناً تقاعدياً للمرأة، وأكثر ما اطلعت عليه ابتعد عن لب الموضوع وهو التقاعد إلى اشكالية المواجهة بين الرجل والمرأة، وهي اشكالية ليست عندنا أصلاً، ولكنها مما جلبته لنا الحضارة الغربية، اضافة إلى بعض الموروثات التي فرضت على المرأة بحكم العادات لا بحكم الدين فالمرأة ديناً شقيقة الرجل، ولها من الحقوق والواجبات ما له وعليها ما عليه أو ما فرضته طبيعة خَلق الرجل والمرأة سواء أكانت متعلقة بأحكام دينية تخص المرأة أو الرجل (كصلاة الجماعة للرجل وترك الصلاة للمرأة أحياناً) أو متعلقة بطبيعة رقة المرأة وعاطفتها مما تختلف فيه مع الرجل، وقد حُوّل موضوع التقاعد الى هذه الأمور التي تخضع للعواطف والاتجاهات ولم تنته منذ فجر النهضة الحديثة إلا من كلام إلى كلام، منه المعتدل، ومنه المندفع مع العاطفة، وكل يدّعي الوقوف إلى جانب المرأة. المرأة المسلمة تختلف عن امرأة الثورة الصناعية في أوروبا في فرق جوهري يتناساه كثير ممن يتناولون قضاياها، وهو أن الثورة الصناعية ركزت اهتمامها على دفع المرأة للعمل أو لمتعة الرجال دون نظر إلى وظيفتها الاجتماعية في تربية الأجيال في وقت لا يقدر التربويون من الرجال فيه على تربيتهم، وهي مرحلة الطفولة المبكرة، وهذه هي إشكالية عمل المرأة في بلادنا، فنحن نريدها أُمّاً ناجحة، وزوجة صالحة، ونريدها عاملة ماهرة، وهي ستنجح ان فرغت لاحدى المهمتين، ولكنها لا تستطيع ان تستغني عن عاطفة الأمومة لو فرغت للعمل، فهي عندها أغلى من كل عمل، فهي تريد أمومة وعملاً مناسباً، وهنا يأتي دور المجتمع في إيجاد نظام يحقق الرغبتين دون أن تخل احداهما بالأخرى, والتقاعد غول مرعب لأكثر الرجال، ولو ترك لكثير من الرجال خيار التقاعد لما تقاعد ولو كان على سرير الموت، والشواهد موجودة في الاستماتة على التمديد بعد سن الستين، وكأن الكون سيتوقف لو أنه تقاعد، أما المرأة، فالأمر بالنسبة لذلك أكثر، فهو يعني عند بعضهن انتهاء الأنوثة وهو ما تحرص عليه المرأة أكثر من حرصها على العمل، وبخاصة ان سن الخمسين ارتبط بما يعرف بسن اليأس، وهي سن تعني انتهاء الانجاب وليس العطاء في الحياة. سن التقاعد عند الخمسين للمرأة سن مناسبة من كل الوجوه لو نُظر للأمر بعيداً عمّا قدمناه، فالمرأة في هذه السن سوف تستحق مرتباً تقاعدياً معقولاً، وهي إن كانت مدرّسة وهي أكثر الموظفات فستكون قد وصلت إلى نهاية سلم المدرسين فلا يزيد راتبها، وهي بذلك تتفرغ لحياتها وعائلتها، وتشعر بالراحة بعد العناء فضلاً عن أن ذلك يفتح مجال التوظيف للأخريات، ومن يقول: إنها ستخسر مادياً وتتأثر عائلتها بذلك غير مصيب، فراتبها التقاعدي سيكون معقولاً، وأولادها في هذه السن سيكونون قد كبروا، وقد توظف بعضهم. وحبذا لو عوملت هيئة تدريس الجامعات من النساء مثل غيرهن في التقاعد عند الخمسين، وعند الحاجة تحصل على التقاعد، ويتم التعاقد معها مثل مدرسي الجامعات من الرجال فيكون فيه مساواة مع الرجال لمن يطربهم هذا النغم. إذا أخذ رأي الرجال أو النساء في التقاعد فسيكون الجواب بعدم القبول، لأمور اجتماعية أو وجاهية وليس لأمور مادية وبخاصة ان التقاعد ربط باستغناء المجتمع عن المتقاعد والانصراف عنه، وهذه تحتاج لسنين حتى يقتنع بها الناس، ومما يعزز ذلك انتهاء كل موظف عند تقاعده وعدم التمديد له. للتواصل: ص,ب 45209 الرياض 11512 الفاكس 4012691