هذه الرسالة يعود تاريخها إلى عام 1922م أي إلى ما قبل 78 عاماً وجهها أبناء بيت المقدس وسائر فلسطين في شكل نداء إلى الأمة الإسلامية يشرحون فيها أهداف وأطماع ومخططات المنظمات الصهيونية الرامية إلى استلاب أرض فلسطين والاستيلاء على مقدساتها الممثلة في المسجد الأقصى والصخرة المشرفة، وذلك بعد أن منحت بريطانيا للصهاينة وعداً بإقامة وطن لليهود في فلسطين ممثلاً في وعد بلفور المشئوم عام 1917 م. وتعهدها بالالتزام بكل الوسائل في تحقيق ما تعهدت به من خلال فرض وصايتها وانتداب نفسها حاكمة لأرض فلسطين لا لأي غرض وإنما لتفي بوعدها بتنفيذ وعد بلفور من خلال خلق إدارة بريطانية لإدارة أحوال فلسطين جُل رجالاتها من اليهود البريطانيين الصهاينة للإشراف على تنفيذ الوعد ابتداءً بفتح كل الحدود للأراضي الفلسطينية للهجرة اليهودية من كل أصقاع العالم مدعومة بأموال المنظمات الصهيونية وحماية المهاجرين الجدد ومنحهم الأراضي والتسهيلات لبناء مستوطنات على الأرض الفلسطينية وإضعاف الجانب الفلسطيني وتحجيم دوره في قراه وبلداته المتواضعة التي لم تعمل إدارة الانتداب أي جهد لتنميتها وتطويرها لأن ذلك يتعارض مع أهداف الإدارة البريطانية التي سخرت كل جهودها لخدمة المنظمات الصهيونية وتحقيق أحلامها في أن يكون لها وطن في وطن تعمل الإدارة البريطانية على تفريغه من أهله لتمنحه لمن لا حق لهم فيه، بل لم تكن الحركة الصهيونية لتقتصر تطلعاتها إلى التهام أرض فلسطين فحسب، بل كانت ترنو بتطلعاتها وبتأييد مباشر وغير مباشر من الإدارة البريطانية إلى توسيع نفوذها ليشمل معظم الوطن العربي. وهذا ما نبه إليه وحذر منه كاتبو هذا البيان إلى الأمة الإسلامية في عام 1922م ولكن لم يكن هناك من يتعظ. كُتب هذا النداء في وقت لم يكتمل تشكل الأوضاع السياسية للبلاد العربية التي أحكمت القوى الأوربية الاستعمارية سيطرتها على كامل المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة عدا وسط الجزيرة العربية التي لم يكن لأي من هذه القوى مصلحة مباشرة فيها. ولكن وفي ظل هذه الظروف العصيبة التي كانت تمر بها أمتنا العربية والإسلامية فإن أبناء مسلمي بيت المقدس وسائر فلسطين كانوا على قدر كبير من معرفة ما يخطط لبلادهم، بل وكل البلاد العربية من قبل المنظمات الصهيونية وحاميتهم بريطانيا, ولذا فقد وجهوا نداءهم وتحذيرهم لإخوانهم العرب والمسلمين في كل مكان منبهينهم إلى ما يحيط بفلسطين ومقدساتها من مخاطر وتهديد لعروبتها وإسلامها، وهي مخاطر وتهديدات تستهدف على المدى البعيد كل أرض عربية مهما بعدت مواقعها على الخريطة. وما حذر منه إخواننا في فلسطين وبيت المقدس في ذلك الزمن هو ما نشهده هذه الأيام مما كانوا يحذرون منه، وربما تحذيرهم حينذاك لم يؤخذ على محمل الجد أو ربما لصعوبة الظروف التي كانت تمر بها أمتنا العربية والإسلامية وغلبة المستعمر والتزامه بتنفيذ وعده، والذي تحقق بقيام دولة إسرائيل، وانسحاب بريطانيا بعد أن اطمأنت إلى أنها قد برَّت بوعدها، وظلت بريطانيا وفية في وقوفها إلى جانب إسرائيل كلما تقدمت خطوة في تحقيق أحلام أبناء صهيون, الممثل في اعتداءاتهم المتكررة على البلاد العربية بين الفينة والفينة. ولابد أن أشير هنا إلى نقطة وردت في هذا النداء بأن هناك من أعضاء مجلس الأعيان البريطاني من استنكر على حكومته إعطاء وعد لليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين, وهذا يعكس أنه كيفما كان الأمر، يظل هناك في كل مجتمع وفي كل زمان من يقف مع الحق ويعارض الباطل، ولكن الموقف الرسمي البريطاني قال كلمته والتزم بتنفيذ ما وعد به بصرف النظر عن تبريرات الدوافع والغايات والرضوخ لعوامل أملتها ظروف وقتية مثل ظروف الحرب, ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لبريطانيا، حيث ظلت سياستها في تنفيذ وعد بلفور على وتيرة واحدة وإلى اليوم لم نسمع أن بريطانيا حاولت أو حتى فكرت في التكفير عن ذنبها أو الاعتذار للشعب الفلسطيني والأمة العربية, بل لا تبرئ ساحتها بأنها من سلم الراية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية حينما حلت محلها كقوة عظمى للدفاع عن إسرائيل ومصالح إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة. تم العثور على هذا النداء ضمن أوراق مكتبة لأحد مثقفي تركيا وهو من عاش أواخر العهد العثماني، من قبل كاتب هذه السطور ضمن أوراق أخرى متعلقة بمواضيع مختلفة تهم العالم العربي والإسلامي مثل قضايا الخلافة التي كانت محل نقاش بين مثقفي ومفكري العالم الإسلامي قبل إلغائها نهائياً من قبل حكومة تركيا الحديثة في عام 1924م. لا أريد أن أطيل الحديث عن هذا النداء نداء القدس بل سأتركه يتحدث عن نفسه الذي يسعدني أن أقوم بنشره في وقت بلغت التهديدات الصهيونية لتهويد القدس ذروتها وفي وقت يجتمع قادة العالم الإسلامي في مؤتمر قمة خصص لمناقشة قضية القدس. فهذا النداء موجه إليهم لتذكيرهم بهذه القضية المحورية في تاريخ ووجدان كل مسلم, وإن كُتب هذا النداء قبل 78 سنة فكأنما هو رسالة كتبت اليوم إلى قادة هذا المؤتمر والشعوب العربية والإسلامية في كل مكان ليقوم كل منهم بدوره في دعم وتأييد أبناء القدسوفلسطين في انتفاضتهم المباركة لاستعادة حقوقهم المشروعة ومن ضمنها الحفاظ على عروبة القدس ومكانتها الخالدة في وجدان كل عربي ومسلم. هذا البيان أو هذا النداء الذي وقعه عن أبناء مسلمي بيت المقدس وسائر فلسطين رئيس الوفد الفلسطيني الإسلامي عبدالقادر المظفر طبع في المطبعة السلفية في القاهرة.