أكد الدكتور خليل بن ابراهيم المعيقل رئيس قسم الآثار والمتاحف في كلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض ان العشرين عاماً الماضية في المملكة شهدت تطوراً كبيراً في مجال دراسة الآثار واجراء المسح الأثري على المواقع الأثرية وتوثيقها. وقال د. المعيقل في حديثه ل«الجزيرة» خلال مشاركته أخيراً بمؤتمر جمعية الأثريين العرب بالقاهرة: ان هذه الخطوات الايجابية التي تشهدها المملكة مطمئنة، ويمكن ان يشهد مستقبل الآثار في المملكة ازدهاراً مضطرداً في ظل الاهتمام الرسمي المتنامي في مجالي الآثار والسياحة حالياً. وأضاف: ان هناك دورا اكاديميا لجامعة الملك سعود يتلازم مع الجهات الرسمية في اجراء الحفائر والصيانة لما يتم اكتشافه. مشيراً الى ان خطوة المملكة في تسجيل «15» موقعا اثريا على قائمة التراث العالمي امر سيمثل نقلة كبيرة جدا في مسيرة العمل الاثري بالمملكة. وتناول د. المعيقل قضايا اثرية أخرى جاءت في الحوار التالي: نهضة أثرية * كيف تنظرون الى المشهد الأثري حالياً في المملكة العربية السعودية، والجهود المبذولة سواء للتنقيب عن الآثار او ترميمها في مختلف أنحاء المملكة؟ لا شك ان الاهتمام بالآثار في المملكة خطا خطوات كبيرة جداً، فبدايات الاهتمام بها تعود الى أكثر من ثلاثين عاماً في المجال الرسمي، وفي حوالي 22 عاماً في المجال الأكاديمي. وأعتقد ان العشرين سنة الماضية قد شهدت تطوراً كبيراً جداً في مجال دراسة الآثار، والاهتمام فيها، واجراء المسوح على المواقع الأثرية المتنوعة وكذلك أعمال الحفر والحماية والتوثيق، فكل هذه خطوات ايجابية على طريق النهضة الواسعة التي تشهدها المملكة. ونرى ان هذا الاهتمام بالآثار بداية مطمئنة للتوسع فيها، خصوصا اذا علمنا ان هناك اتساعا في المواقع الأثرية بطول البلاد وعرضها وكذلك حجم الاهتمام الكبير لهذه المواقع وبخاصة في مجال الحماية والدراسات والنشر عن هذه الآثار. واتوقع ان يكون مستقبل الآثار في المملكة مزدهراً، وستشهد السنوات القادمة نشاطاً أثرياً كبيراً للغاية في ظل الاهتمام الرسمي المتنامي في مجال الآثار والسياحة حالياً. * وماذا عن طبيعة التعاون مع الدول العربية لإجراء حفائر أثرية مشتركة وصولاً الى التعاون الجماعي المشترك بين الدول العربية؟ أعتقد أن التعاون العربي العربي مازال في أضيق حدوده، ومازلنا في حاجة الى تفعيل هذا التعاون، كما اننا بحاجة الى مدرسة عربية في الدراسات الأثرية تأخذ بكل الأساليب والدراسات الحديثة، ولا تعتمد على الطرق التقليدية، التي لا يزال دارسو الآثار يأخذون بها. وأتصور اننا متى اوجدنا هذه القاعدة العلمية المتطورة التي تماشي التطور العلمي في مجال الآثار فإن الساحة العربية سوف تشهد تعاوناً أكثر. وأؤكد ان المملكة حريصة على دعم التعاون الأثري بين الدول العربية سواء على المستوى الثنائي او الجماعي، والمهم ان تكون هناك ارادة ورغبة قوية من جميع الدول العربية في تفعيل التعاون المشترك. دور أكاديمي * وما دور كلية الآداب بجامعة الملك سعود وتحديداً قسم الآثار والمتاحف في تنشيط العمل الأثري بالمملكة، خصوصا انك تعرضت لأهمية الدور الأكاديمي؟ الجهات الأكاديمية هي المعنية بالفعل بإجراء البحوث والدراسات ولذلك اعتقد ان قسم الآثار والمتاحف بالجامعة له دور رائد وينطلق من زاويتين ، الأولى: تأهيل الكوادر الوطنية في مجال الآثار وتدريسهم وتدريبهم في مجال الدراسات بالمراحل الجامعية المختلفة. والثانية: اجراء أعمال الحفر والدراسات التي يقوم فيها القسم تحت مظلة الجامعة، وكذلك في إطار الجهود الفردية لأعضاء هيئات التدريس، والتي تشهد الان تنام في نشاطاتها المختلفة. ولذلك اعتقد ان للجامعة دورا كبيرا جدا في تنامي النشاط الأثري بالمملكة، فهي الجهة المعنية بإجراء الدراسات والبحوث بالتعاون مع الجهات الرسمية وبخاصة وكالة الآثار والمتاحف. * كيف ترصد الأهداف التي جعلت المملكة تتقدم الى لجنة التراث العالمي باليونسكو لإدراج 15 موقعا اثريا سعوديا على القائمة العالمية؟ أرى ان هذه الخطوة تأخرت كثيراً. واعتقد ان هذه الخطوة تمثل بداية فعلية للاهتمام والانطلاق عالمياً بغرض حماية المواقع الأثرية والعناية بها والاهتمام فيها، ووضع ضوابط لزيارتها وكثير من الضوابط التي يمكن ان ننهجها في تعاملنا مع هذه المواقع. واعتقد ان تسجيل 15 موقعا اثريا للسعودية على القائمة العالمية أمر سيمثل نقلة نوعية كبيرة جدا في مسيرة العمل الأثري بالمملكة، وهناك ايضا اعمال كثيرة ينبغي ان نتحرك فيها تتلازم مع ادراج هذه المواقع على القائمة العالمية من حيث اعمال التوثيق والصيانة للمواقع، وفتحها أمام الزيارات السياحية. * لماذا لا يتم الاستعانة بالبعثات الأجنبية لترميم المواقع الأثرية في المملكة؟ اسوة باستعانة كثير من الدول العربية بالخبرة الاجنبية؟ المملكة لها خصوصية في التعامل مع البعثات الأجنبية، فهي ارض الحرمين، ومن حسن الطالع ان البعثات الأجنبية لم تبدأ العمل في مراحل سابقة قبل ان تكون الجهات المعنية لديها القدرة والكفاءة في التعامل مع هذه البعثات. وبرغم الجوانب الايجابية التي تتعلق بعمل البعثات الاجنبية في الدول العربية مثل نشر المعلومات المكثفة عن المواقع الاثرية في البلد الذي تعمل فيه، إلا ان لها سلبيات تتمثل في المناهج الخاطئة التي تسلكها هذه البعثات، وايضاً التفسيرات الخاطئة للتراث المحلي الذي يتعلق بهذه الدول، فضلا عن توجيه العمل الأثري توجيهات غير صحيحة، ومسيئة في بعض الأحيان. وبالتالي اعتقد ان فتح المجال للبعثات الاجنبية في المملكة يجب ان يتم وفق ضوابط ومحددات واضحة، ووفق مشاركة سعودية فعالة، فلا ينبغي فتح المجال لهذه البعثات على الاطلاق، فنتركها تنتشر وتفسر ما تراه او على ما توده. ولكن ينبغي ان يفتح هذا الباب اذا اريد له ان يفتح وفق ضوابط في ان تكون هناك مشاركة سعودية في أعمال النشر والحفائر والنتائج. ولذلك انا اعتبر ان المملكة من الدول العربية المحظوظة التي لم تسمح لهذه البعثات بالعمل داخل اراضيها بشكل مطلق، كما هو الحال في بعض البلدان. المعارض الأثرية * وماذا عن تنظيم المعارض الأثرية للمملكة في الخارج؟ المملكة لم تنهج مثل هذا النهج، وأرى ان المتغيرات التي حدثت واهتمام المملكة بالسياحة، فإن هذه المعارض يمكن ان تسهم اسهاماً كبيراً في حركة السياحة بالمملكة، لان هذه المعارض ستطرح كثيراً من القضايا وتوضح المعلومات حول زيادة الأثرية التي تزخر بها المملكة. وبالتالي اعتقد اننا يجب ان ننظم معارض على مستوى كبير من ناحية محتويات المعرض وحركته ومستواه في دول مختلفة، وسوف تكون خير بداية وسفير للمملكة في الخارج. * لا تزال قضية توحيد المصطلح الأثري في العالم العربي اشكالية كبرى في اوساط المهتمين، فكيف يمكن توحيد مثل هذه المصطلحات؟ اعتقد ان جمعية الاثريين العرب عليها دور كبير في هذا الجانب، فمناقشة المصطلح وتوحيده والاتفاق على استخدام هذا المصطلح في الدول العربية، والوصول الى ذلك من خلال عقد الندوات وتنظيم المؤتمرات، على ان يكون اهتمام ورغبة جادة من الاثريين العرب في توحيد المصطلحات الأثرية واستخدامها لاحقا من خلال اصدار المعجم الأثري الموحد في الأوساط الأكاديمية ذات الاهتمام بالشأن الأثري..