عمليات التنقيب الأثري أنتجت كمًّا هائلاً من المعلومات والقطع التي غطت فترات زمنية امتدت من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية المتأخرة. كان للمسح والتنقيب الأثري في المملكة دور مهم في التعريف بالبُعد الحضاري والتاريخي للمملكة؛ إذ كشفت تلك المسوحات والتنقيبات المزيد من المعلومات التي تؤكد العمق التاريخي للمملكة العربية السعودية من حيث تعاقب الحضارات التي عاشت وتكونت على أرض الجزيرة العربية. وما وجود المستوطنات البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ والتعاقب الحضاري في أجزاء كبيرة من المملكة، واتصالها بالحضارات المجاورة التي عاصرتها في الفترة ذاتها، وامتداد طرق التجارة والمدن التي نشأت عليها، والعلاقات التجارية التي ربطت الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، إلا دليل قاطع على ما تتمتع به المملكة من عمق حضاري. كما أثرت أعمال التنقيبات معروضات المتاحف الحكومية، التي من خلالها تم عرض الكثير من القطع الأثرية النادرة والمهمة التي اكتشفت أثناء أعمال المسوحات والتنقيبات الأثرية في أراضي المملكة خلال عقود من الزمن، التي أسهم في اكتشافها الكثير من الفرق المحلية والبعثات الأجنبية. ومن الناحية العلمية، فقد أضاف العمل مع البعثات العلمية الأجنبية للباحثين السعوديين خبرات أكبر، ومكنهم من الاطلاع على تقنيات ومدارس وطرق عالمية في البحث والتنقيب عن الآثار. وقد بدأ أول النشاطات الأثرية بأعمال مسح أثري محدودة في عام 1384ه - 1385ه، الموافق 1964 - 1965م، ونفذتها فرق سعودية بالتعاون مع خبرات أجنبية دنمركية وإنجليزية وأمريكية. وفي سنة 1396ه، الموافقة 1975م، بدأ المسح الأثري في المملكة العربية السعودية ضمن خطط خمسية لمواسم عدة، تم خلالها حصر وتسجيل الكثير من المواقع الأثرية التي اختير بعضها لتنفيذ أعمال تنقيب نوعي، بحسب تنوُّع الفترات الزمنية فيها؛ فتكون الحفريات شاملة لكل العصور من فترات ما قبل التاريخ إلى الفترات الإسلامية. ونتيجة لهذا التوسع في النشاط الأثري الذي امتد ليشمل مواقع أكثر، ظهرت نتائج غاية في الأهمية عن تاريخ وحضارة الجزيرة العربية، بالاشتراك مع مؤسسات وجهات دولية عريقة في مجال الآثار من أوروبا وأمريكا وآسيا، وتم حصر وتسجيل أكثر من ثمانية آلاف موقع في كل مناطق المملكة، تشمل كل المراحل والفترات الحضارية والتاريخية في الجزيرة العربية. ويجري العمل حاليًا في البحث والتنقيب لسبر أغوار هذا الإرث الحضاري، وربط بعضه ببعض، وتحقيق نتائج أكثر وأهم عن الحقائق على المستويَين المادي والحضاري لمجتمعات شبه الجزيرة العربية. ومنذ بدء دراسات الآثار في السعودية، وما تم القيام به من جهود وأعمال ميدانية، شملت المسوحات والتنقيبات الأثرية في كل المناطق، أمكن التعرف على كمٍّ هائل من المعلومات والدلائل التي غطت فترات زمنية موغلة في القدم، تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية المتأخرة، وذلك من خلال المكتشفات الأثرية التي وجدت في المدن القديمة. وقد اهتم برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة بالمسح والتنقيب الأثري في كل مناطق المملكة، وأطلق مبادرة تسجيل وحماية الآثار والبحث والتنقيب الأثري بهدف حماية وتسجيل المواقع الأثرية والإسلامية. وعلى مستوى المشاريع ركز البرنامج على خمسة مشاريع، هي: مشاريع الرفع المساحي لاستخراج صكوك ملكية للمواقع الأثرية، ومشروع التنقيب والبحث الأثري، ومشروع الدراسات الأثرية المتخصصة، ومشروع استكشاف الآثار الغارقة، ومشروع تطبيقات الرصد الأثري في كل مناطق المملكة. وقد دخلت هذه المشاريع حيز التنفيذ مع انطلاق البرنامج. ونجح مشروع الرفع المساحي الذي يسعى إلى استخراج صكوك ملكية للمواقع الأثرية باسم الهيئة في استخراج صكوك لعدد كبير من المواقع الأثرية في: القنفذة، والعاصمة المقدسة، ومحافظة جدة، ومنطقة الرياض، ومحافظة الأحساء، ومناطق عسير ونجران وتبوك والجوف. وتم توسيع قاعدة الرفع المساحي في 2016م؛ لتشمل مناطق أخرى. أما مشروع التنقيب والبحث الأثري فقد ركز في مرحلته الأولى على تنفيذ 11 مشروعًا علميًّا مع بعثات محلية، و16 مشروعًا مع بعثات دولية، وتم إنجاز ثمانية مشاريع مع البعثات المحلية، منها: مشروع الفريق السعودي للتنقيب في منطقة حائل، ومشروع للتنقيب في منطقة الحدود الشمالية، ومشروع في المنطقة الشرقية، وآخر في موقع جرش بمنطقة عسير، بينما تم إنجاز 14 مشروعًا مع البعثات الدولية، منها: مشروع البعثة السعودية - البولندية للتنقيب في موقع عينونة بمنطقة تبوك، ومشروع البعثة السعودية - النمساوية الألمانية للتنقيب في موقع قرية بتبوك. وفي الوقت الذي يسعى فيه مشروع الدراسات الأثرية المتخصصة إلى نزع ملكية 28 موقعًا أثريًّا، وتمكّن المشروع من إصدار عشرة كتب متخصصة باللغة العربية، وكتابين باللغة الإنجليزية، وإصدار النسخة رقم 23 من حولية الأطلال، إلى جانب ترجمة ست مطويات إلى اللغة الإنجليزية عن عدد من المواقع الأثرية بالمملكة. وعمل مشروع استكشاف الآثار الغارقة على مسح وتوثيق الآثار الغارقة على سواحل المملكة، وتم إنجاز مشروع البعثة السعودية - الألمانية لمسح الآثار الغارقة على سواحل البحر الأحمر، وكذلك إنجاز مشروع البعثة السعودية - الإيطالية لمسح الآثار البحرية في البحر الأحمر بين محافظتَي ينبع والوجه. كما تمت الموافقة على ميثاق اليونسكو الخاص بالتراث الثقافي المغمور في المياه. وتمكن مشروع تطبيقات الرصد الأثري في كل مناطق المملكة، الذي يستهدف تركيب وتشغيل محطتين للرصد الأثري في جبة والشويمس، من تركيب أجهزة رصد التأثيرات البيئية في مواقع الرسوم الصخرية بمنطقة حائل، وذلك وفقًا لتوصية (اليونسكو). واهتمت الدولة بأعمال المسح الأثري من خلال الجهات التي تعاقبت في الإشراف على هذه المهمة، وهي: وزارة التعليم، ثم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والآن هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة، وذلك من خلال الاستفادة من المؤسسات والجامعات والمنظمات العالمية المتخصصة وفقًا لشروط وضوابط محددة؛ وذلك انطلاقًا من أن الأبحاث هي الخطوة الرئيسة الأولى لتنمية المواقع الأثرية من أجل تنمية السياحة؛ فمن دون فهم البُعدين الحضاري والثقافي للموارد الأثرية والتراثية لن تكون هناك نتائج وحقائق يمكن إظهارها. ومن دون الأبحاث ستبقى الموارد الأثرية والتراثية مخفية، أو يشوبها الغموض والجهل بها. وتتطلب تنمية موارد الآثار والتراث في المملكة وجود دراسات في مجالات الإنشاء والتخطيط والتطوير والتفسير والتقديم، أو دراسة الجدوى التفصيلية للمواقع الأثرية لجذب السياحة؛ لتكون أداة تعليمية نافعة، يمكن الاستفادة منها، سواء على مستوى المجتمعات المحلية أو على المستوى الوطني. وقد وضعت الاستراتيجية البحث العلمي ضمن أولوياتها، وذلك من خلال: o دعم برنامج متواصل للبحوث، يركز على تكثيف الاكتشافات والدراسات في الكثير من المواقع الأثرية والتراثية في المملكة؛ حتى يمكن إدارة ذلك، والتعامل معه بشكل أكثر فاعلية. o التعاون مع الشركاء الرئيسيين الآخرين داخل المملكة وخارجها؛ لدعم مشاريع البحوث المشتركة. o وضع أنشطة تعليمية وإعلامية وغيرها للتعريف بالتراث الحضاري للمملكة بشكل أفضل (وهذا هدف مشترك مع برامج عرض التراث). o جذب أفراد المجتمع للمشاركة في الفعاليات الثقافية، وخصوصًا ما يتعلق منها بالتراث العمراني والثقافة غير المادية.