قرين الرؤية لأنه سبب حصولها إذ يجلي الأشياء أمام العين ويأذن لها بإحساسها على حقيقتها بأحجامها وأشكالها وألوانها ونشاطها المتنوع وعندئذ يتضح أمامنا الطريق فنسلكه بخطى ثابتة آمنين من التخبط والسقوط وفي الطريق نتجه لما نريد ونرغب ونبتعد عما يؤذي ويضر ونراقبه في حذر ومن ثم نواصل السير نحو غاياتنا البعيدة دون عقبات أو عوائق.. وبعد ماذا لو كنا في ظلام سرمدي؟! إن النور هو الذي يعطي الحياة قيمة ووزنا لأنه يبعث فيها الحركة ويدفعها إلى النماء ونحن أبناء الحياة نحتاج فيها إلى نور يكشف العالم من حولنا لنبصر فنسير وهذا نور يعطي أعيننا قيمة وإذا فقدناه فقدنا أعيننا.. كما نحتاج أشد الحاجة إلى نور يضيء جوانحنا وأعماقنا فتشرق أرواحنا وتحيا وتستنير عقولنا وأفكارنا وعند ذلك نرى الأشياء حقيقية بكل دقائقها وذراتها لأننا نتفحصها بحاسة المجهر لا بالعين المجردة وعندئذ نكون قادرين على التمييز وحسن الانتقاء. وإن فقد مثل هذا النور لا يسلبنا أعيننا فحسب بل أنفسنا بل الحياة بأسرها لا بد للحياة من نور لتصبح حياة ولا بد للأحياء من نور ليعيشوا ويبصروا الحياة ومن العجب أن نرى في هذه الحياة أحياء لهم أعين ولكن لا يبصرون النور ولهم نفوس ولكن لا ترى النور ولا ينفذ إليها.. أولئك خسروا حياتهم وخبت نفوسهم وطمست أعينهم، يسيرون ولكنهم أموات ويلامسون الأشياء فلا إحساس ولا تمييز ويحملون الشيء ويفرحون به وهو حجر وخشب ويتركون أشياء وهي فضة أو ذهب لأنهم سادرون في الظلام بإحساس الأنعام وثمة أحياء يبصرون النور بأعينهم ولكن لا يسمحون له بالدخول إلى نفوسهم وأرواحهم وتضيق صدورهم لرؤية النور والعهد أن النفس تأنس بالنور فهؤلاء كأصحابهم ألفت نفوسهم كهوف الظلام ويسيرون في تخبط وضياع.. تمزق أنفسهم سهام الحيرة المنبعثة من النور الخاطف للأبصار فما أشقاهم برؤية النور.. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.