بعد فقدان إنجلترا، مطلع القرن الحالي، فرصة تنظيم أولمبياد 2005؛ وبطولة كأس العالم 2006 أخذ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على عاتقه مسؤولية إعادة دولته إلى المشهد الرياضي العالمي، وأطلق دراسة إستراتيجية شاملة عن الوضع الرياضي فيها؛ لم تركز الدراسة على جوانب القصور المرتبطة باستضافة المناسبات الرياضية العالمية، بل شملت أيضا الوضع الرياضي المحلي بجميع جوانبه، بما في ذلك التركيز على أهمية المُنشآت الرياضية، وحمل المواطنين على ممارسة الرياضة لأسباب صحية، واقتصادية. كشفت الدراسة المتخصصة عن بعض الأسباب الرئيسة التي حالت دون حصول إنجلترا على مركزها المستحق في المشهد الرياضي العالمي؛ ومنها ضعف الاستثمارات الحكومية في البُنى التحتية الرياضية، إضافة إلى التباعد بين السياسات الحكومية التنموية والمختصون في الشأن الرياضي، القادرون على وضع إستراتيجية شاملة لتطوير الرياضة، بأنواعها، وحمل المجتمع على الاهتمام بها، ممارسة وتشجيعا. الدراسة كشفت أيضا عن عدم قدرة الجهاز الحكومي على تقييم التكاليف العادلة لاستضافة المناسبات العالمية، وتقييم الاستثمارات الرياضية التي تحتاجها المدن والمقاطعات. السيد توني بلير أعاد هيكلة قطاعات الرياضة الإنجليزية، بما فيها المنشآت، وحرص على توفير الدعم المالي الذي كان من أسباب القصور الذي لحق بالرياضة الإنجليزية. لم يكن تطوير القطاع الرياضي الإنجليزي جهدا فرديا بل كان عملا إستراتيجيا تعاقبت على تنفيذه الحكومات الإنجليزية، وساعد في تطوير المنشآت وقطاع الرياضة، وأسهم في نجاح إنجلترا في استضافة أولومبياد 2012. بعد أن شاهدت «فضيحة الملاعب السعودية» التي نقلتها شاشات التلفزة من ملعب الشعلة في الخرج، وقبلها فضيحة ملعب الحزم بالرس، ونجران، وملاعب أخرى؛ تمنيت أن نحظى بفكر السيد «توني بلير» التطويري، وخطته الإستراتيجية التي أعادت دولته لاستضافة مونديال العالم 2012، بعد الفشل الأول، وأعطاها فرصة المنافسة على استضافة كأس العالم لولا (التدخلات المشبوهة)، خلاف ما حققته من تنمية رياضية في جميع مقاطعات الدولة؛ فوضع الرياضة السعودية بات أكثر حاجة لعراب التنمية الرياضية، على مستوى المنشآت، والقادر على إحداث التغيير الأكبر وفق خطة إستراتيجية محددة الزمن والأهداف. المملكة في أمس الحاجة إلى تحقيق تنمية رياضية شاملة، وزيادة استثماراتها الموجهة للبنى التحتية الرياضية وعلى رأسها مُنشآت الأندية، وملاعب المُدن الرئيسة في جميع المناطق، والمحافظات. يتذمر المسؤولون لدينا من تركيز برنامج «في المرمى» الذي يقدمه الزميل بتال القوس على الملاعب السعودية المُتهالكة، دون أن يبذلوا جهدا حقيقيا لمُعالجة الوضع المعوج. قناة «العربية» سلطت الضوء على قصور التنمية الرياضية، وسوء الإدارة وعدم الاكتراث بمصلحة الشباب واهتماماتهم؛ وفي مقدمتها الاهتمام بنشر الملاعب الحديثة، والتوسع في بناء مقار الأندية والمُنشآت الرياضية. هل عجزت السعودية عن بناء الملاعب الحديثة ومقار الأندية أسوة بدول الخليج القريبة؟؛ لا أعتقد!!؛ بل أجزم أن الفكر الرياضي المسؤول عن عجلة التنمية الرياضية هو من فشل في استثمار ميزانيات الخير، لإحداث نقلة نوعية غير مسبوقة في قطاعات الرياضة السعودية. بيئة الملاعب الرياضية أصبحت طاردة ومنفرة للشباب ومحبي الرياضة، وهو أمر يمكن التغلب عليه بضخ استثمارات مالية توسعية في القطاع الرياضي؛ يجب أن تتمتع جميع الأندية في دوري الدرجة الممتازة، والأولى بمقار رسمية متكاملة، بما فيها الملاعب الحديثة المتوافقة مع المعايير العالمية؛ ويجب أن تحظى المُدن الرئيسة على ملاعب ضخمة لا تقل جودة وجمالا عن الملاعب الأوربية. يجب أن يبتعد المسؤولون عن تضخيم تكلفة مشروعات الملاعب الرياضية، التي أعتقد أنها إحدى المُعوقات التي تحول دون إقرارها من قبل الحكومة. أما المعوق الآخر، فهو عدم وجود الإدارة الكفؤة القادرة على استثمار ميزانيات الخير لتطوير الرياضة، وتشييد البُنى التحتية الحديثة. أيام قلائل ويُعلن رسميا عن ميزانية العام 2012، إضافة إلى فوائض مالية قُدِرَت ب 185 مليار ريال للعام 2011؛ تُشير التوقعات الأولية إلى محافظة الحكومة على مستوى الإنفاق التوسعي من أجل استكمال مشروعات التنمية؛ تنمية قطاع الرياضة لا يقل أهمية عن القطاعات التنموية الأخرى التي سيطرت على مُجمل الإنفاق الحكومي لأكثر من عشرين عاما. بناء مقار الأندية، وتشييد المدن الرياضية والملاعب في جميع مناطق المملكة بات خيارا إستراتيجيا لدعم الرياضة، والمحافظة على النشء، وخفض معدلات الجريمة، والانحراف، وتنمية المهارات، وتحقيق طموح الشباب، ورغباتهم الملحة في الحصول على منشآت رياضية لا تقل جودة عن مُنشآت الدول الخليجية الأخرى. كُل ما أتمناه أن يتزامن الإعلان عن ميزانية الخير للعام 2012 مع قرار استكمال البُنى التحتية الرياضية التي أصابها الشلل منذ ما يقرب من ثلاثين عاما.