جاء في الحديث الشريف - خيركم من طال عمره وحسن عمله - وفي حديث آخر - اذكروا محاسن موتاكم - تذكّرت ذلك ملياً وأنا أتابع ما كُتب عن فقيد الوطن، الأديب الكبير والصحفي اللامع والمربي الجليل والمؤلِّف القدير الأستاذ - عبدالكريم الجهيمان - رحمه الله -. وأنا هنا لن أضيف جديداً أو كما قيل لن يبلغ الضالع شأو الضليع، مقارنة بما كُتب عنه.. ولكن أستطيع أن أقول وباختصار وشهادة للحق وللتاريخ وللأجيال، إنّ فقيدنا الغالي الذي انتقل إلى دار البقاء، قد ملأ حياته بالطول والعرض عطاءً يانعاً وكفاحاً مثمراً من أجل خدمة وطنه ومجتمعه، بل يمثل من واقع سجله الحافل في مجال العلم والأدب والصحافة أنموذج المواطن الصالح المخلص.. لقد عرف جيلي وانفتحت مداركه في حب ومتابعة الصحافة عندما صدرت صحيفة - اليمامة - الأسبوعية قبل نصف قرن على يد وبجهود علاّمة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، وازددنا شوقاً في متابعة هذه الصحيفة الأولى في عاصمة البلاد، عندما صدرت وهي مطرّزة بأسماء كوكبة مختارة متميّزة من الكتّاب المبرزين في عطائهم ونضج أفكارهم أمثال الأساتذة الكبار عبدالكريم الجهيمان، عبدالله بن خميس، سعد البواردي، علي حسن فدعق، عبدالعزيز أحمد ساب، محمد المسيطير، عبدالله بن إدريس، حسن عبدالله القرشي، عبدالله بن محمد العقل، اللواء سعيد عبدالله كردي والشاعر محمد علي السنوسي والمؤرِّخ محمد العقيلي ويحيى الألمعي والدكتور يوسف الحميدان. وكنا ننتظر صدورها أسبوعياً بفارغ الصبر ونقرأها بنهم وشوق من الألف إلى الياء بما فيها الإعلانات.. وكنت شخصياً وأنا على مقاعد الدراسة بالمعهد العلمي بالرياض قد اشتركت فيها، لكي أضمن وصولها بوقتها بواسطة موزّع البريد بدراجته الهوائية.. وكان يتصدّر صفحتها الأولى عناوين ومقدمات كبار الكتّاب الذين رشحت أسماؤهم في ذاكرتنا ومنهم الأستاذ - الجهيمان الذي يذيّل مقاله ويمهره باسم - أبو سهيل - ويتوسط الصفحة الأولى من اليمامة بمادته الحافلة بالأفكار النيِّرة التي تخدم الوطن وتنير معالم المستقبل الواعد له.. .. وكان القارئ المتابع يلمس في هذه الإطلالة الأسبوعية المتجددة، الحب الصادق الذي يكنّه الكاتب لوطنه وأُمّته من قلب عامر بالصدق والوفاء. .. وعندما ترك الشيخ - حمد الجاسر - اليمامة - وهي في أوج شهرتها وتوهُّجها بسبب نقل مسؤوليتها إلى رئيس تحرير آخر، تواضع مستواها إلى درجة لافتة، وعلى إثر ذلك غابت النجوم التي كانت تتواصل معها وتطرز صفحاتها بأنوارها المضيئة وعطائها المتجدد، فما كان من عاشق الصحافة وصاحب القلم السيّال الجهيمان إلاّ أن يشدّ الرحال إلى صحيفة - القصيم - التي صدرت عام 1379ه، حيث استمر في الكتابة فيها بعموده الأثير الشهير - المعتدل والمائل - والذي كان له الدور الفاعل والأثر الملموس في معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية بأسلوبه السهل الممتنع.. وبعد أن توقفت - القصيم - عند الصدور على إثر قرار نظام الصحافة الجديد، اتجه أستاذنا الجليل إلى عالم أرحب وأعمق هو عالم التأليف وتفرّغ لذلك في مجالات أدبية وثقافية وفي مقدمتها جمع الأمثال الشعبية من الكتب ومن أفواه الرواة والتعمُّق في دراسة مدلول وأهداف الأدب الشعبي من واقع سبر أغوار الأساطير والقصص الشعبية قديماً وحديثاً.. وصدر له في هذا الميدان عشرات الكتب بأجزاء ومجلّدات متعدّدة وترجم الكثير منها إلى لغات مختارة. abo.bassam@windows live.com