نحمد الله أن من علينا بوجود بيت الله الحرام والمسجد النبوي في أراضينا، وميزنا بما لم تحظ به أي دولة في العالم، ولذا يرتحل المسلمون من أقاصي الدنيا إلينا متفردين بخدمتهم ومتميزين بإكرامهم فنقوم بما هو واجب علينا تجاههم ولله الحمد والمنة. لكننا في أحيان كثيرة وفي شؤون حياتية أخرى نخطئ بجعل الإفراط في الاختلاف تميزاً بل قد يكون عيباً يجب علينا العمل على إصلاحه وبأسرع وقت، فما كان ربما مقبولا على مضض في سنوات مضت لم يعد كذلك الآن. حكومة المملكة وعلى رأسها والدنا الحنون العادل الملك عبدالله بن عبدالعزيز أدامه الله يسعى إلى جعل المرأة في مكانها الذي تستحقه، وأشار حفظه الله إلى تقديره لها مازحا وجادا، ففي بدايات رحلته العلاجية حين قال «ما جانا من النساء إلا كل خير» مشيرا إلى مرض عرق النساء. ومما لا شك فيه إصراره على تمكين المرأة وتعزيز دورها في مواقف سابقة ولاحقة آخرها مشاركة المرأة كعضو في مجلس الشورى السعودي وكذلك المجالس البلدية، وتأكيده يحفظه الله بأن المرأة هي الأم والأخت والابنة والزوجة ولا تهميش لدور المرأة بعد الآن. كل هذا الكلام جميل ونحن نسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق وواعد بمشاركة عادلة للمرأة السعودية كمواطنة صالحة. ولكن هناك شأن قد يبدو على شيء من البساطة والسطحية لدى البعض، لكنه على جانب كبير من احترام حقوق وآدمية المرأة بالدرجة الأولى لا سيما تلك التي تحتم ظروفها السفر لخارج المملكة سواء لعملها أو ربما حتى علاجها أو زيارة أقارب لها في الخارج. وهذه المرأة ولو بلغت من العمر عتيا - وفي حالات شخصية أعرفها 70 عاما- فإنها لا يمكن أن تسافر إلا بتصريح سفر «البطاقة الصفراء»، والمؤسف أن هذا التصريح يمكن لحفيدها الذي يبلغ من العمر 15 عاما أن يمنحها إياها أو يرفضه. ولعلي أزيدكم من الشعر بيتا فيما يتعلق بتميزنا المتميز، فذلك الحفيد الذي يمكنه بموجب القانون وحصوله على بطاقة الأحوال من استصدار تصريح السفر لجدته كونه «ولي أمرها»، هذا الحفيد بذاته لا يمكنه الدخول إلى أي من المجمعات التجارية المحلية إلا برفقة تلك الجدة! أليس هذا من المضحك المبكي؟ فعن أي تميز وعن أي خصوصية نتحدث؟ وأي عقل ومنطق يقبل هذا التميز؟ أنا كسيدة سعودية وقبل أن أرغب في حصولي على مقعد في مجلس الشورى يجب أن أضمن حصولي على مقعد في طائرة حين أشاء لتقلني للحضور والمشاركة في مؤتمر عالمي أو برنامج تدريبي يعزز من دوري للقيام بمهام عملي في مجلسي المحلي. أما أن تتاح الوظيفة «كمسمى براَق» فقط ولا يتاح لي ما يعزز دوري للقيام بها فهو تمكين محدود وهامشي. الغريب إنني كنت أتناقش مع إحدى الصديقات التي التقيتها عبر الفيسبوك ولاحقا بشكل مباشر، والتي بحكم إقامتها خارج المملكة قد حظيت بمناصب قيادية عالمية، والتي أكدت لي أن النظام كان وقبل عقود من الزمان يجيز سفر المرأة إذا تجاوز عمرها 45 عاماً، ولكن هذا النظام وضع في الأدراج، ولم ير النور بعد تطبيقه لسنوات قلائل. إذا كنا فعلا نرغب أن نكون جزءاً من العالم لتحقيق نماء اقتصادي واجتماعي وسياسي فإن علينا جميعا التفكير بجدية وبسرعة في تفتيت الكثير من هذه القيود المجتمعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا كان يجوز للمرأة السفر «للحج والعمرة» في الرفقة الآمنة، فمن باب أولى أنه يجوز لها السفر لممارسة مهام حياتها التي تحتم السفر للأسباب المذكورة سابقا، وإلا فعلينا البدء في إيجاد ضوابط مقايضة بين الجدة والحفيد، فمقابل أن يمنحها تصريح السفر عليها أن تمنحه تصريح دخول المجمعات التجارية.... ويا قلب لا تحزن ضاعت حياتنا بين التصاريح!!