خلال زيارته الحالية لواشنطن حاول نوري المالكي رئيس وزراء العراق أن يتبرأ عن تبعيته لإيران. الأمريكيون وبعد التعامل مع العراقيين أصبحوا على معرفة بالتوجهات السياسية والانتماءات الفكرية والأيدلوجية والمذهبية للساسة العراقيين ويعرفون نوري المالكي جيداً وهم وإن تعاملوا معه على مبدأ تبادل المصالح إلا أنهم يعرفون أنه إيراني الهوى أو على الأقل يعمل مع الأمريكيين لأنهم يحققون له تطلعاته وأنه أكثر ميلاً لإيران لاعتبارات طائفية وحتى مصلحة حزبية كون قواعد حزب الدعوة الذي يرأسه ذات ارتباط تنظيمي وعاطفي مع إيران ولا يكن أي حب ولا أي تعاطف لأمريكا. هذا شيء مؤكد ويعرفه الأمريكيون قبل غيرهم، ولكن السياسة لا تتطلب أن يعمل معك من يحبك، بل من تتوافق مصلحته معك، وواشنطن تعرف أن نوري المالكي شخص سلطوي عمل على تكريس السلطة بشخصه والأشخاص الذين من يعده من حزب الدعوة والأحزاب الشيعية المتحالفة معه التي تمسك بمفاتيح السلطة من خلال هيمنة وزرائها أو ما يسمى بالوكيل الأقدم بالوزارة الذي عادة ما يكون من قيادات حزب الدعوة. لا شيء اختلف عن إدارة السلطة في عهود الاحتلال، وإذا كان صدام حسين محور السلطة في عهده، فإن نوري المالكي بات صورة شبيهة لصدام، فهو رئيس الوزراء والقائد للقوات المسلحة التي لها تشكيلاتها وقواتها، ووزير الداخلية، ويسيّر وزارة الدفاع من خلال وزير لا يمثل طائفته ولا تياره السياسي. هذا التحليل الأمريكي لشخصية المالكي وحزبه سهّل عليهم التعامل معه، فبقدر ما يعملوا على تعزيز النزعة السلطوية للمالكي وحزبه وبقدر غضهم النظر وعدم التدخل فيما يفعله بالطائفة الأخرى، يتعامل معهم المالكي ولا مانع لديه لتوجيه تحذيرات دون معنى لإيران التي لا يضرها هذا الكلام طالما ما تريده يتحقق، فالمالكي ينفذ لهم ما يريدونه من خلال إغلاق معسكر أشرف وطرد المعارضين الإيرانيين أو نقلهم إلى معتقلات في وسط الصحراء، وقد يقدم على تسليمهم لإيران إن وجد عدم اعتراض جدي من واشنطن. واشنطن وجدت في نوري المالكي ضالتها، فهو يقايض ما يدعم سلطته بدعم أمريكي، وينفذ لإيران ما تريد. أما ما يجري في العراق من فساد مستشرٍ وتردٍ للخدمات وتراجع في معدلات النمو، فكل هذا لا يؤثر في بقاء المالكي طالما حظي برضا أمريكي ودعم إيراني.