في ليلة من ليالي الوفاء التي عُرف بها أبناء منطقة القطيف، وفي ليلةٍ تعانق فيها وفاء الرجال مع مد الخليج الدافئ، احتفل أهالي محافظة القطيف بشاعرهم الكبير الأستاذ عبدالله الجشي، وسط حضور مكثف من العلماء والمثقفين والأدباء الذين حضروا من مختلف المناطق ومن دولة البحرين. بدىء الحفل الذي أقيم في مجلس آل سنان بالقطيف بآيات من الذكر الحكيم رتلها زهير القصاب، ثم ألقى محمد أبو المكارم كلمة اللجنة المنظمة أعقبه سماحة الشيخ حسن الصفار بكلمة ضافية عن المبدعين وضرورة تقديرهم، أشار فيها إلى أن احترام الكفاءة مظهر من مظاهر الرقي والتقدم إذ إن الإنسان السوي يختزن في أعماق نفسه مشاعر إعجاب وتقدير لكل كفاءة متميزة، ودون ذلك لا يكون إنساناً سوياً لكن امتلاك قدرة التعبير عن تلك المشاعر وإبرازها هو سمة الراقين المتحضرين، في الوقت الذي يشكك فيه ضعفاء النفوس بذواتهم في إظهار مشاعرهم وإبرازها، وذلك نتيجة تراكم حجب قاتمة من نوازع الأنانية والحسد وذلك خلق سيئ وحالة مرضية لا علاج لها إلاّ بالوعي الصحيح والتربية السليمة، وأضاف الشيخ حسن الصفار أن تقدير الكفاءة وتكريمها يساعد على تنميتها وتطويرها ويدفع بها إلى المزيد من العطاء والإنجاز، وأشار إلى ما تقوم به المجتمعات الغربية من تكريم المبدعين من ابنائها في الوقت الذي ينحصر التكريم في الوطن العربي للمبدعين في المجالات الرياضية والفنية، وأشار في ختام كلمته إلى أن الأستاذ الجشي يستحق التكريم من وجوه عدة منها ابداعه ثم جهوده الوطنية ولما يتمتع به من خلق فاضل وشخصية رزينة، ثم ألقى الشاعر مصطفى أبو الرز قصيدة نالت استحسان الجمهور قال فيها: «أنت في الخط منشد فتمهل ربة الحسن والنهى والدلال ههنا الشعرُ دائماً ظل عذباً يتهادى من نبع ماءٍ زلالِ وهنا شاعر يصوغ القوافي فهي عقد منضدٌ من لآلي وطريق الإبداع درب طويلٌ وصعاب تفوق كل احتمالي سار فيه الجشيُ شبراً فشبراً لا يبالي أخطاره لا يبالي فبلوغ المنى ونيل المنايا تتساوى لمن أراد المعالي» ثم تحدث الشيخ الأديب عبدالكريم الجهيمان عن الروابط التي ربطته بالشاعر الجشي منذُ أكثر من خمسين عاماً، ثم ألقى الدكتور علي العبدالقادر كلمة بعنوان «إنسان الأرض» ذكر فيها أنه جاء من الأحساء يحمل مشاعر التقدير والاحترام من شعراء الأحساء ومثقفيها ومفكريها، وقال (جئتُ من سوق الشعر في هجر الذي عانق سوق دارين والزارة قروناً طويلة). ثم ألقيت قصيدة للدكتورة ثريا العريّض ألقاها نيابة عنها الأستاذ العبادي، قالت فيها: «ما الذي يحدوك للنقش على رملٍ شفيف؟ أيُ أسرارك في فيء الفيافي تستضيف؟ حاملاً عشق النخيل؟ أنت يا من حاور الأرض ترانيم بدلمون وأوروك ودارين لنخلات القطيف؟» ثم ألقى الأستاذ يوسف الشيخ يعقوب كلمة بعنوان «في ضيافة أبي سعد» تحدث فيها عن علاقته القوية والمتينة مع الأستاذ الجشي والتي تمتد لأكثر من خمسين عاماً وذكر العديد من المواقف التي حدثت بينهما أثناء رحلتهما الطويلة. ثم قدم الأستاذ محمد رضي الشماسي دراسة نقدية لشعر الأستاذ عبدالله الجشي، وأوضح فيها أن الجشي تأثر بداية بالشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري، بل غرف من بحره ونحت من صخره، إلا أنه أشار إلى أن الجشي عندما قام على سوقه خرج عن طوق التقليدية المحافظة إلى حرية الاختيار والإبداع بعد أن تنوّعت أمامه الثقافات وتعددت المذاهب في وقت نشطت فيه الحركة الأدبية في العالم العربي، فتفاعل الجشي مع ذلك وتأثر بشعر محمود علي طه وإبراهيم ناجي وزكي أبو شادي وبدوي الجبل وغيرهم. ثم ألقى الشاعر البحريني حسين السماهيجي قصيدة نالت استحسان الحضور وهي بعنوان «قطيف» قال فيها: «قطيفُ .. قطيفُ .. ما الذي تحلمين به؟ شاعر يتماثل للبوح.. بحر يرشُّ بملح المحارة.. يا ابنة عشتارَ! جئت ألملم عيني: أسترق السمع في هيكل سال من مقلتي دعم صحتُ: قطيف!! قطيف!! تمددتُ بالقرب منكِ.. فأرخي قليلاً ومدّي على جسدي بردتين با ابنة عشتار!!» ثم ألقيت شهادة وتحية للناقد العربي الدكتور عبدالله الغذامي قدّمها الأستاذ حسن المصطفى قال فيها الناقد الكبير (هناك رجال يجب على النقد أن يستحيي أمامهم فحينما طلب مني أن أشارك في تكريم العربي سليمان العيسى كتبت شهادتي عنه ولم أمارس هواية الناقد أمامه فهو رمز ومعنى ويعلو على النقد ومصطلحاته، وأنا اليوم على حال مماثلة!! وأضاف: إن محبتي لهذا الرجل هي محبة لهذا الوطن لأن ما يحمله الجشي في قلبه وما يقوله في شعره هو ما أجده في نفسي ولذلك فالجشي هو ضميرنا غير المستتر بل هو ضميرنا الناطق، وهو سعى لتجسيد حلمه في الكلمة وفي التسمية وفي الحس المتحرك) ثم ألقيت كلمة الدكتورة نهاد الجشي ألقاها نيابة عنها الأستاذ ذاكر حبيل، وهي كلمة تضمنت مشاعرها تجاه استاذها الجشي والكيفية التي كان يعامل بها أهل بيته والقريبين منه وكيف كان يأخذ بأيديهم إلى العلم والمعرفة داعياً وموجهاً وناصحاً. ثم ألقى الشاعر حبيب محمود قصيدة بالمناسبة بعنوان «يحموم امرأة...» قال فيها: «يصبك من غيم الغواية مزهرُ فكيف أغني والصدى فيك يمطرُ؟ وفي أي منحىً أستفز حبيبتي ووجهك في كل المدارات مُقمرُ؟ تعشقتها قبل الصباح صبية وأيقظت أنثى «شكلها» يتكورُ ..................... ترابك و«الإنسان» لا يتغيرُ!! أساءك في سمرائك البكر أنها لعوب تداجي ألف حب وتنكرُ؟ وأن لها بين الفرات ودجلة يمامة صفوٍ لا تخونُ وتغدرُ؟ ألست أباها باحثاً ومنقباً فما بال قومي كلما غبت زورّوا؟ قطيفك يا طفل القطيف تمردت على ذاتها وهي الغرام المكررُ لنا أن نغنيها كما هي طفلة فليس لديها عاشق يتعنترُ» ثم ألقى الكاتب الأستاذ محمد رضا نصر الله، كلمة عاد بها إلى الوراء عندما التقى ذات مرة بالشاعرة بنت الشاطئ في مكتب توفيق الحكيم، والتي أبدت له إعجابها بالشاعر الجشي الذي سبق والتقته عندما زارت القطيف عام 1951م. ثم ألقى الشاعر عدنان العوامي قصيدة بعنوان «إلى مغترب» أعقبه الضيف المحتفى به بكلمة شكر فيها الحضور، وطالب بأن يكون التكريم للجيل الصاعد الذي تتواصل به المسيرة ويتجدد فيه الهدف، ثم ألقى قصيدة بعنوان «يوم مولدي» قال فيها: «اليوم أعلن يوم مولدي وأقول يا فجر اشهدِ لكم انتظرت وما يئستُ وما وهنت لمقعد آمنتُ بالإبداع عبر مساره المتجدد أملي الذي ناغيته طفلاً وشب على يدي اليوم تحتضنونه أيقونة في معبد وتدللون شموخه لينير وجه الفرقد تكريمكم نخب الحياة ومنهل القلب الصدي!! يا إخوتي شكرا لكم للشعب أكرم سيدِ» ثم وزعت العديد من الهدايا والدروع من عدد من المؤسسات الخاصة التي احتفت بالشاعر. * لقطات من الحفل : * أقيم الحفل في مجلس آل سنان، بينما أقيم حفل العشاء في مجلس آل الخنيزي. * حضر الحفل عدد من الوجوه الأدبية والإعلامية من مختلف المناطق، إذ حضر من الرياض الأديب عبدالكريم الجهيمان والدكتور معجب الزهراني والدكتور حمزة المزيني والأستاذ محمد القشعمي، ومن الأحساء الدكتور علي العبدالقادر ومحمد الجلواح وآخرين، كما حضر عدد من الإعلاميين من دولة البحرين، كما حضره الكاتب السعودي محمد العلي. * أقام سماحة الشيخ حسن الصفار حفل غداء في منزله احتفاء بالشيخ عبدالكريم الجهيمان ووفد الرياض، حضره الأديب عبدالله الجشي وعدد من أعيان محافظة القطيف. * أقام الكاتب عبدالمحسن الخنيزي حفلة عشاء احتفاءً بالشيخ عبدالكريم الجهيمان حضرها الأستاذ الكاتب محمد العلي والكاتب نجيب الخنيزي والدكتور يوسف مكي والأستاذ عبدالعزيز السنيد والدكتور زكي البريكي والأستاذ حمد الحمدان، وكانت فرصة طرح الحضور فيها أسئلة الشعر العربي في زمن الرواية، وكيف أن الشعر ربما تراجع إلى المركز الثاني!! بعد الزحف الروائي الذي طغى مؤخراً وأشار محمد العلي إلى ان الشعر كان يمثل سابقاً هماً جمعياً أما اليوم فهو هم مفرد!! ثم تشعب الحديث الى الفلسفة وماهيتها وعلاقة الاخلاق بالفلسفة، ففي الوقت الذي ذكر الدكتور يوسف مكي انه ليس ثمة علاقة بين الاخلاق والفلسفة، اشار عبدالمحسن الخنيزي الى ان الفيلسوف الالماني كارت قد أفرد فصلاً عن فلسفة الاخلاق مما يعني ان الاخلاق جزء أصيل من الفلسفة. * «الجزيرة» وحدها كانت حاضرة قبل التكريم حين أفردت صفحة خاصة بتكريم الشاعر، وقد وجدت مبادرتُها صدىً ممتازاً لدى الحضور، حيث قدروا الجهد المبذول والعناية المتصلة برواد الثقافة في بلادنا عبر صفحاتها وملاحقها الخاصة.