حين يجتمع فضاء للتعبير الحر وأزمات معيشية؛ تتمخض (السخرية)... ففي السابق وحتى الآن عُرفت «مصر» بأم الدنيا وبأم النكتة على حدٍ سواء, والسبب أن شعبها عانى من ضوائق مادية ومستوى معيشي متدن. ولهذا السبب زُرعت ونمت البذرة التي تفلقت منها النكتة المصرية! ومن فترة قريبة لوحظ أن الشعب السعودي بات شعباً منافسا للشعب المصري وقادم للساحة الساخرة بقوة.. فالنكتة وسيلة تعبير قوية تتضمن كافة الآراء والمواقف البشرية, وربما تكشف عن بعض الصور المختزلة في اللاوعي الشعبي.. فلم يعد الشعب السعودي ذاك الشعب الذي يتشاءم من الضحك حينما كان يقال سابقاً: (الله يستر من نهاية هالضحك!)؛ لأن الأوضاع والأحوال ليست ثابتة على مر الأزمان, فالأوضاع الحياتية والمعيشية تغيرت عن السابق بطبيعة الحال. فازدياد معدل البطالة وانهيار سوق الأسهم والخسائر الفادحة التي تكبدت جراء سقوطه, وأزمة السكن والأوضاع المادية المتدهورة في الغالب جاء متزامناً (والحمد لله) مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعية من sms والبلاكبيري وتويتر وغيرهم.. مما ساعد في انطلاق الأرواح الساخرة وإطلاق العنان لهذا الحس الساخر من الواقع. يقول فرانسيس بيكون: (وهب الإنسان الخيال لتعويضه عما ليس فيه والحس الفكاهي لتعويضه عما فيه)... فالكوميديا أو الأطروحات الساخرة كالدواء أو كالصلاة للروح المعذبة.. فمن خلال النكتة (المضحكة المبكية) نتعرف ونطل على ما بداخل هذا المعترك الاجتماعي ونتأمله, ومنها أيضا ندرك ما يعتصر بداخل الوجدان الشعبي. فهي ليست شيئاً تافهاً بالمجمل ولمجرد الإضحاك بشكل بحت, بل هي انعكاس للصورة الذهنية عما يعتري المجتمع من أحداث؛ ولهذا خصصت جامعة ولفرهامبتون البريطانية قسما خاصا أخذ على عاتقه دراسة تاريخ النكتة وعلاقتها بالطبيعة البشرية..! وأثناء كتابتي للمقال بحثت مستطلعة عن الفرق بين الدم الخفيف والثقيل في جسم الإنسان وهل له علاقة بالفكاهة؛ وحين قوقلتها (أي بحثت في قوقل) وجدت أن الدم الخفيف هو الدم الذي يجري بعروقنا بخفة وسهولة، فكرياته تسبح برحابة وتتجول براحة وحرية اكبر من الكريات الدم الثقيلة المتزاحمة وشديدة الالتصاق ببعضها في داخل الشرايين والأوردة وهو بالتأكيد أمر غير صحي من الناحية الجسدية وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية. فخفة الدم مطلب صحي ضروري وكذلك اجتماعي.. ولهذا هلاّ بالفنان الجميل «عبد المجيد عبد الله» ولا يلام في خفيف الدم حين غنى طرباً: خفيف الدم يا غاية مرامي هلا بك يا هلا بك يا غرامي. إذن حين تسمع نكتة وتُضحكك فهي ليست جيدة فحسب، بل هي أيضا عميقة في هزليتها الشديدة. وحتى لا أقتل روح النكتة بالتحليل والتعمق في قراءتها سأذكر لكم بمناسبة هذا الحديث النكتة التي تقول: (ومازال الشعب السعودي إذا أعجبه طبخ البيت قال: كأنه شغل مطعم, وإذا أعجبه شغل المطعم قال: كأنه شغل بيت!!). وشر البلية ما يضحك.