في بلدنا الكبير والمستهدف من قِبل الإرهابيين وتجار المخدرات وسماسرة التأشيرات والمنظمات الدولية الحاقدة ما زلنا عاجزين عن حماية حقوق صاحب العمل أو حتى سَنّ قانون لإيقاف مهازل هروب العمالة؛ إذ بإمكان الوافد أن يترك عمله اليوم ليجد فرصة عمل مناسبة له في الغد، وبأسرع من لمح البصر، إما عن طريق شراء تأشيرة والقدوم عليها أو العمل بطريقة غير نظامية، وبعد سنتين أو ثلاث، قد تزيد وقد تنقص، يقوم بتسليم نفسه لسفارته لتقوم بترحيله، ويجب أن يكون لنا في هروب الخادمات عِبْرة وتفكر؛ فما زال مسلسل هروبهن من كفلائهن مستمراً لدرجة أن أولئك الخادمات أصبحن يتواصين بالهروب فيما بينهن في بلدانهن وقبل قدومهن إلى السعودية، ويحدث ذلك في ظل صمت محير من قِبل وزارة العمل؛ ليأتي مواطن آخر مستغلاً ما وهبه الله من المال للاعتداء على حق أخيه في الدين والمواطنة والإنسانية بتشغيل تلك الخادمة الفارَّة من كفيلها دون أن يتحمل تكاليف استقدام أو إصدار تأشيرة أو حتى غرامة مالية مجزية لخزينة الدولة تعزيراً على فعلته، ودون حتى دفع تعويض لصاحب العمل الأساسي، وهي أمور يجب أن تلتفت إليها وزارة العمل؛ إذ من شأن ذلك أن يوقف كل أحد عند حدوده، خاصة في ظل نظام تطبيق البصمة، وهو نظام باستطاعته إيقاف تلك المهازل المخزية بحق الوطن والمواطن. ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع تحديداً هو أنه، وبالأمس القريب، جاءني أحدهم - وأنا مسؤول عن صحة كلامي - وأخبرني بأنه استقدم خادمة في شهر شعبان الماضي بتكلفة تجاوزت ستة عشر ألف ريال، وقد جاءت بعد انتظار قارب ثمانية أشهر، وفي شهر ذي القعدة - أي بعد انتهاء فترة التجربة، وكأنها على اتفاق مع المكتب الذي جاء بها لإنهاء التجربة - أطلقت ساقيها للريح، وولت مدبرة ولم تعقب! ويسألني ما الذي يجب عليه فعله؟ ومن سيعوضه عن تكاليف استقدام خادمته التي ستذهب للعمل لدى مواطن آخر وبراتب يعادل ضِعْف أو ضِعْفي راتبها لديه، ثم تقوم بتسليم نفسها لإدارة الوافدين عندما تقرر السفر لبلدها؛ لتتكفل المديرية العامة للجوازات بإلزام صاحب العمل الذي لم يستفد من خدمات خادمته بالتذاكر لترحيلها؛ فبالله عليكم أي مصيبة تلك؟!! وما الجهة المخولة بحماية حقوق صاحب العمل؟! ومن سيقوم بمخاطبة سفارة تلك الخادمة بعدم تمكينها من السفر ومغادرة البلاد؟!.. أسئلة كثيرة ومثيرة. وبعد لحظة تأمل في خلوتي أقترح ما يأتي للحد من هذه الظاهرة: 1 - مخاطبة جميع السفارات والقنصليات والممثليات الأجنبية في المملكة بعدم تمكين أي من رعاياها الذين يسلمون أنفسهم من السفر ما لم تتم مخاطبة وزارة الداخلية السعودية؛ للتأكد من حالة قيدهم ووضعهم الأمني، وإفهام تلك السفارة أو القنصلية أو الممثلية بأن تأشيرة الخروج والعودة أو النهائي تُمنح عن طريق الكفيل السعودي، ومن يأتِ إلى سفارته لترحيله فهو إما هارب من كفيله أو مرتكب جرماً، وأن على السفارة تحمل مسؤولياتها تجاه ما يترتب على سفر هذا الوافد. 2 - عدم إصدار تأشيرة خروج وعودة أو خروج نهائي ما لم يُحضر الوافد براءة ذمة من شركات الاتصالات «السعودية - موبايلي - زين» أسوة بمخالفات المرور؛ حيث إن أغلبهم يغادر البلاد دون تسديد مديونيته لدى تلك الشركات، وهو أمر من شأنه أن يتسبب في خسائر فادحة لتلك الشركات، وأرى أنه لا بد من إيجاد قاعدة معلومات على غرار «سمة»؛ لتقييد مديونيات الوافدين لدى شركات الاتصالات والسيارات ومكاتب العقار والتقسيط ضماناً لحقوق المواطن. 3 - إلزام كل وافد، سواء أكان مهنياً أم عمالة خاصة، بدفع تعويض لصاحب العمل في حال تغيبه وتهربه من كفيله بما يعادل رواتبه للمدة التي قضاها متغيباً، إضافة إلى تكاليف إصدار التأشيرة ورسوم الاستقدام ورسوم ترحيله، مع إلزامه بدفع غرامة مالية لا تقل عن عشرين ألف ريال لخزينة الدولة، ومنعه من دخول البلاد نهائياً. 4 - معاقبة كل صاحب عمل يثبت قطعاً أنه تقدم ببلاغ هروب ضد مكفوله كذباً لأي سبب بدفع رواتب مكفوله بناء على مدة العقد، وإلزامه بدفع عشرين ألف ريال لخزينة الدولة، ومنعه من الاستقدام، وإجباره على نقل كفالة الوافد فوراً. 5 - إعادة نظام عدم السماح للوافد بالتنقل خارج المنطقة التي يعمل بها ما لم يحصل على موافقة مصدَّقة من المديرية العامة للجوازات، يحدِّد بها الجهة المقصودة ومدة البقاء والعنوان وأرقام التواصل. 6 - البدء فوراً في إنشاء شركات استقدام لتأجير العمالة المهنية والمنزلية، تكون هي المسؤولة عن تأمين البديل في حال رفض العمل أو التغيب. وبالمناسبة هناك أناس يؤون الخادمات الهاربات، ويقومون بتأجيرهن بمبالغ تتجاوز ثلاثة آلاف ريال، وبالرغم من كثرة مَنْ يستفيدون من تلك الخادمات إلا أنه لم يُتَّخذ أي إجراء حازم ضد أولئك السماسرة. إنني أرجو أن تقضي تلك الإجراءات - في حال تم تفعيلها - على ظاهرة هروب العمالة الوافدة، وليكن لنا في عقوبة مهربي المخدرات مثلاً؛ إذ أصبح الخوف يسيطر على من يفكر في إدخال المخدرات للمملكة، وهو ما جعل نسبة تهريب المخدرات في بلادنا تكاد تكون معدومة بفضل تلك التدابير الأمنية التي اتبعتها وزارة الداخلية حتى أصبحت مضرب مثل في بلدان كثيرة. والله يتولى الصالحين. إضاءة: أنا أتحدث عن بعض الوافدين ومن كل الجنسيات، وليس جنسية بعينها، ونحن نعرف وافدين ساهموا معنا في بناء البلد، وأخلصوا لهذا الوطن؛ فلا نغمطهم حقهم، بل نشكرهم، ونقدرهم، ونرحب بهم بيننا.