ورد في الأثر عن الخليفة الراشد سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قوله «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً». وقد ينفع هذا القول في تبديد خوف الإنسان من المستقبل بأن يتعامل معه بإيجابية تستوعب إيمانه واستسلامه للقدر المحتوم الذي لا حول له فيه ولا قوة. وفي هذا المفهوم يمكن القول إن اليوم هو الغد الذي كان الإنسان يتخوف منه في الأمس. فالأيام تتعاقب ولا تتوقف ولافرق بين أن يمر بها الإنسان أو تمر هي به، فالفارق الحقيقي هو تعامل الإنسان ذاته مع هذه الأيام. ويكون هذا التعامل إيجابياً إذا قضى الإنسان عمره في عمل مثمر ينفع الناس ويبقى في الأرض بعد رحيله عنها. هذا المعيار يعكس النظرة الإيجابية لإعمار الإنسان للأرض وسعيه في مناكبها طلباً للرزق وبحثاً عن لقمة العيش. ويُجسِّد هذا المفهوم النظرية الاقتصادية باعتبار العمل أحد أهم عناصر الإنتاج. وإذا ارتقى العمل إلى درجة الإبداع تكوَّنت بذرة الخير التي تستجيب للقول الخيِّر إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه. هذه ثوابت وقيم يزخر بها التراث العربي والإسلامي، وهي في مجملها تتفق مع النظرية الاقتصادية. والفرق الوحيد هو أن النظرية الاقتصادية تقنن هذه الحقائق، أو الأفكار، في قالب مادي علمي قابل للتقييم والقياس، في إطار التنسيق النظري لعلم الاقتصاد. والذي يهم المجتمع في هذا الأمر، هو التأكيد على عنصر العمل ليس كعنصر فاعل من عناصر الإنتاج فحسب، بل كمدخل طبيعي للإبداع. والإبداع سمة إنسانية راقية تعكس النعمة التي أنعمها الله على الإنسان وفضله بها على سائر مخلوقاته. ولم يغفل علماء الاقتصاد جانب الإبداع في العمل، إذ اعتبروا أن المبدع في عمله هو الذي يعيد تشكيل عناصر الإنتاج كلها ويصهرها في بوتقة الإنتاج ليقدم منتجاً نهائياً مختلفاً يعكس تطور ورقي الإنتاج الذي نُعرِّفه الآن بالتقنية الحديثة. ولو أدرك العرب والمسلمون أهمية العمل، لما كنا الآن نستهلك التقنية الحديثة ولا ننتجها. * رئيس دار الدراسات الاقتصادية – الرياض.