في الكوب الذي يمتلئ نصفه بالماء، ينظر المتشائمون إلى النصف الفارغ، بينما ينظر المتفائلون إلى النصف الممتلئ. ورغم أن كلتا النظريتين صحيحة، إلا أن مدلول الأولى يختلف عن الثانية. ويجسد هذا الاختلاف المسافة الكبيرة بين الإحباط والأمل، فقد ينتهي الإحباط إلى معول هدم ويرتقي التفاؤل إلى سلم بناء. الكتابة من هذا المنظور، قد تتجه نحو إحدى النظريتين. وقد آثرت دائماً النظرة التفاؤلية في تناولي قضايا اقتصادنا الوطني بهدف تحليل المكامن الإيجابية، لاعتقادي بأن هذا التفاؤل يوسع فسحة الأمل، ويفتح آفاق التنمية الشاملة في زمن وصل فيه الاقتصاد إلى سدة الاهتمام الشعبي بعد أن سقطت البدائل الأخرى. إذا استطعنا أن نجعل من التفاؤل ممارسة يومية في حياتنا، فإننا سنضيف إليها كل يوم نتائج كل قطرة عرق تصببت من عمل دءوب يثريه الأمل بعيداً عن معول الإحباط. وتأسيساً على هذه النظرة الإيجابية التي خرجت من رحم التفاؤل، استشهد بما ورد في الأثر عن الخليفة الراشد سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقوله اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. وقد ينفع هذا القول في تبديد خوف الإنسان من المستقبل، وبأن يتعامل معه بإيجابية تستوعب إيمانه واستسلامه للقدر المحتوم الذي لا حول له فيه ولا قوة. وفي هذا المفهوم يمكن القول بأن اليوم هو الغد الذي كان الإنسان يتخوف منه في الأمس. فالأيام تتعاقب ولا تتوقف، ولا فرق بين أن يمر بها الإنسان أو تمر هي به. الفارق الحقيقي هو تعامل الإنسان ذاته مع هذه الأيام التي تطول إذ يقصر عمره. ويكون هذا التعامل إيجابياً إذا قضى الإنسان عمره في عمل مثمر ينفع الناس ويبقى في الأرض بعد رحيله عنها. هذا المعيار يعكس النظرة الإيجابية لإعمار الإنسان الأرض، وسعيه في مناكبها طلباً للرزق وبحثاً عن لقمة العيش. يجسد هذا المفهوم النظرية الاقتصادية باعتبار أن العمل أحد أهم عناصر الإنتاج. وإذا ارتقى العمل إلى درجة الإبداع، تكونت بذرة الخير التي تستجيب للقول الخير، إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه. *رئيس دار الدراسات الاقتصادية