أيام من الحزن خيّمت على بلاد الحرمين الشريفين وأهلها، فمنذ أن تلقت المملكة مع إشراقة شمس يوم السبت 24 ذو القعدة 1432ه بكل الأسى والحزن نبأ وفاة سلطان الحكمة.. سلطان الخير.. سلطان العون، وحتى ووري الثرى والوطن بقيادته وأبنائه حزين لهذا المصاب الجلل. يصعب الحديث عن هذا الرجل وعن تاريخ حافل بالإنجازات والعطاءات، وإن تجرأنا على الرصد فإننا بكل تأكيد لن نستطيع أن نحصر إنجازات شخصية كبيرة بقيمة إنسانية لها مساعداتها وإسهاماتها الإنسانية المتعددة محليا وعربيا ودوليا، خصوصا حينما تكون تلك الشخصية بحجم وقامة الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وغفر له وجزاه عما قدم لوطنه وأمته والمحتاجين والمرضى خير الجزاء. سلطان الإنسان.. اسمٌ له دلالات متميزة ومعان جميلة، ف»السين» تشير إلى سلطان قد ملك قلوب الجميع ليس بمكانته أو سلطته أو منصبه في الدولة، بل بابتسامته المعهودة التي لا تكاد تفارق محياه في كل الظروف وتعني السيادة والسماحة من غير هوان مع أعدائه. أما «اللام» فتعبر عن لين الجانب فسموه -رحمه الله- مع محبة الناس له إلا أنه مُهاب القدر والمكانة ومع ذلك فإذا اقتربت منه وجدته يحمل تواضعا جما ولينا في التعامل مع الآخرين. «الطاء» تعني طيبة النفس وأريحية الخاطر، و»الألف» يعني الأصالة المتمثلة في حبه ومحافظته على السمات العربية الأصيلة واحتفاظه بهويته المتوارثة عن أجداده وآبائه الأولين. أما «النون» فتعبر عن النخوة التي يلمسها القاصي والداني داخل الوطن وخارجه. (مقتبس من «موقع سلطان»). لقد حفل تاريخ الراحل -رحمه الله- بمنجزاتٍ شتّى وحضور فاعل، وكان يظهر في كل مناسبة سياسية دولية أو عربية أو محلية، أو المناسبات الإنسانية الأخرى بكل اتزان وحكمة وحنكة. رحل عنّا سلطان بجسده، وغابت عنّا ابتسامته التي حتى وهو يعاني في مرضه لم تكن تفارق محياه، رحل عنّا وودعه قادة وممثلو الدول العربية والإسلامية والصديقة يتقدمهم أخوه الذي تجاسر على آلامه وأبى -كما قال الأمير نايف- إلا أن يحضر في استقباله في المطار ويحضر للصلاة عليه، ذلك الأب الحنون صاحب القلب الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز متعه الله بالصحة والعافية، إلا أن ذكره الطيب وأعماله الخيرية والإنسانية التي شملت القاصي والداني ستبقى شاهداً -بإذن الله- على سنواتً من العطاء والبذل والإخلاص لدينه ووطنه وقيادته. رحمك الله يا سلطان وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، وعزاؤنا فيك هو قائد هذه البلاد الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز، ونايف الداخلية، وسلمان الرياض، وكافة إخوانهم، وأبناء الفقيد، والشعب السعودي الذي يبادل قيادته حباً بحب، فقد أظهر أبناء هذا الوطن مشاعر نبيلة ليست مستغربة عليهم، فمن يتابع بعض القنوات التي خصصت برامج تعزية في فقيدنا، حيث انهالت المكالمات والتعازي في كل جزء من وطننا العزيز صغارا وكبارا رجالا ونساء، ومن المشاهد المؤثرة جدا أن بعض إخواننا وأخواتنا وأمهاتنا لم يستطيعوا إكمال تعازيهم على الهواء مباشرة حيث غلب عليهم البكاء والنحيب. رحم الله فقيدنا وجبر كسرنا، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. الرياض