في صباح يوم السبت الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة عام 1432ه تلقيت نبأ وفاة شيخ المكارم وأمير الفضائل سلطان بن عبدالعزيز آل سعود غفر الله له ورحمه وجازاه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفرانا وأنزله منازل الشهداء والصالحين. وكنت ساعتها أقلب ديوان شعر فوقعت عيني على أبيات في الفخر فوجدتها تصدق في فقيدنا.. ولئن قالها الشاعر قبل قرون في فخره بنفسه فإننا نقولها في فخرنا بأمير وقدوة ووزير وقائد وأخ كريم يستحق ذلك بجدارة إنه الأمير سلطان بن عبدالعزيز. وقبل أن أنقل ذلك النص الشعري الذي قرأته أشير إلى أن طريق المعالي ودروب العز والمجد صعبة عسيرة إلا على أصحاب الهمم وأفذاذ الرجال.. وأحسب أن فقيدنا واحد منهم.. فهل مصدر فخرنا به تواضعه الجم، أم هو بذله السخي، أم هو عمله المتواصل أم هو دعمه للخير غير المحدود، أم هو حبه للضعفاء والفقراء والمرضى ووقوفه بجانبهم أم أن مصدر فخرنا به صراحته وتشجيعه للمخلصين وعسكريته الفذة النادرة، أم هو حرصه على مكانة المملكة بين دول العالم ومحافظته على مكانتها الدينية وقيادتها الإسلامية أجزم أن تلك الأمور العشرة مجتمعة ومعها أمور أخرى حققها بعزمه ويقينه قد أهلته للريادة وبوأته مركز القيادة وحق لكل فرد على ثرى بلادنا أن يفخر به ويحبه ويدعو له من أعماق قلبه. وحق لنا أن نذكره كلما رأينا آثاره الحسنة وعطاياه الجزلة؛ فقد طبع الكتب وأقام الأوقاف وزرع أشجار الخير والبر والإحسان وهي لا زالت وستظل إن شاء الله تؤتي أكلها طيبة مباركة ويعم نفعها الدًّاني والقاصي.قال تميم بن المعز المتوفى عام 374ه مبيناً أسباب الفخر الحقيقية.. منكراً على من يفخر بما لا يستحق...: ليس من ساد عن وراثة جد وبحظ من الحظوظ متاح يستحق الثناء ويستوجب الشك ر، ويحوي مدائح المداح إنما السيِّد المعلى المفدى من علا للعلا صدور الرماح ورمى ليل كل خطب بهيم بذكاء أضوا من المصباح واقتنى العز بالظبا والعوالي واشترى الحمد بالندى والسماح فكذا تبتنى المكارم والمج د ويستبعد العدو الملاحي لا كمن جرى برجل سواه وسما طائراً بغير جناح !! لا ألفت العلا ولا ألفتني إن توشحت دونها بوشاح أو ترفهت أو تشاغلت عنها بأباطيل قينة أو براح لا، ولا أبيض لي سنا المجد إن لم استجد غسله بنزف الجراح وألاق العداة عنه بعزم علوي يفل حد الصفاح وببطش يفري الجماجم والأعن اق فري المدى لحوم الأضاحي أنا فرد النهى، ورب المعالي وحسام الكفاح يوم الكفاح أنا مفتاح قفل كل نوال يوم يغدو الندى بلا مفتاح أنا كالجد في الأمور إذا ما كان غيري فيهن مثل المزاح لا كراض من العلا بادعاء وبعرض مجرح مستباح فسل المجد عن صباحي وليلي ومقيلي، وغدوتي ورواحي هل يسر العلا مقالي وفعلي وارتياحي لكسبها واقتراحي؟ ومن قصيدة أخرى يقول: والمرء لا يحوي العلا بجدوده إذ لا ينال المرء إلا ما سعى فإذا زكت أفعاله وأصوله كانت له قمم الكواكب مربعا أما بعد: فمن الذي تصدق في حقه هذه الأبيات؟ أحسب أنها تصدق في سلطان بن عبدالعزيز الذي اشترى المجد بجزيل العطايا، وجليل الأعمال، وكثير المنح ورفيع السجايا.. إنه من بنى في الذرا قصور العز والشرف، وسطر في سفر التاريخ أعطر الصفحات، فلم تبق قارة من قارات الأرض لم تصلها مكارمه وعطاياه، ولم تبق عاصمة من عواصم دولها لم تفز بمكرمة أو لفتة لعمل خيري منه رحمه الله. يبدأ مشوار عطاياه ومكارمه من المسابقة الدولية للقرآن الكريم للعسكريين التي يرعاها وتنظم على نفقته وبتوجيهه ورعايته. ويتلوها مؤسساته الإغاثية في دول أفريقيا وغيرها. ويتلو ذلك تزويج آلاف الشباب في اليمن، ورعاية المعاقين، وعلاج المرضى. ويتلو ذلك فك أسر المطالبين بمال وفدية الموقوفين في ذلك وسد حاجة المحتاجين. ثم يأتي بعد ذلك سجل كتب بماء الذهب فيه أخلاق الرجال الكبار: التواضع الحب والابتسامة الرحمة والشفقة ويزين ذلك كله صفات فطرية نادرة: الحس المرهف الطموح سعة الأفق بعد النظر الصبر لطف التعامل قوة الثقة فيما عند الله تعالى بذلك كله وغيره من أعمال سلطان بن عبدالعزيز آل سعود وصفاته، وبما ورثه من صفات والده أسد الجزيرة وباني مجدها يحق لنا أن نفخر به، ويحق لنا أن نكتب اسمه في عداد الكبار من الرجال والصالحين من الولاة وأن تكون سيرته وأعماله قدوة تحتذى وعبراً تدرس للأجيال.. ومن حقه علينا أن تستمر عطاياه وتتوالى مكارمه وأن يكون له صدقة جارية يصله أجرها بعد مماته.. وأملنا كبير في أبنائه وإخوانه أن يحملوا هذه الأمانة فهم لها أهل وفقهم الله وسدد خطاهم ونفع بهم وحرس بلادنا من كل سوء ومكروه إنه خير مأمول وأكرم مسؤول. عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية