عندما احتضن الأمير الإنسان سلطان بن عبدالعزيز ذلك الطفل البريء، وضمه إلى صدره ضمة حُب وحنان لينطق الطفل بكل براءة مخاطباً الأب الحنون سلطان فيقول له: (أنا أحبّك) فيبتسم الأب سلطان، ويردّ من الأعماق (وأنا أحبّك بعد) ويستفسر منه عن مطالبه التي يبادر إلى تلبيتها، وربما كان ذلك الموقف مع ذلك الطفل- فتحاً لمعالجة معاناة أمثاله من الحالات الأخرى، انبثاق دراسات ورؤى إنسانية أخرى تقلق المجتمع الذي يطمح إلى تلبية أشتات من احتياجات كثير من أعضاء المجتمع تعذّر توفيرها، هذا الموقف الإنساني البريء لا تملك الدموع أمامه غير الانهمار. - نماذج مسكونة بحب الخير والبذل في سبيله دون منّة وتردّد هي التي يحتاج المجتمع حضورها وتفاعلها، ويحزن لفقدانها ورحيلها مما يؤكد أن رحيل إنسان شهم أثير بحجم الأمير الفذّ سلطان بن عبدالعزيز يعدُّ خسارة عظيمة تؤرق حياة كل إنسان تهمُّه معاناة المجتمع وهمومه ولاسيما أن هذا الإنسان الشهم يعدُّ المبادرات الخيريّة واجباً ومسؤولية تتصدّر قمّة مسؤولياته الشخصية حيث جُبل على حبّ الخير منذ نشأته في ظل والده الملك عبدالعزيز - غفر الله له-، وامتزجت به شخصيته فصار إحدى سماتها، وأصبح كل أعضاء المجتمع لا يستغربون مبادرة الخير والإحسان والوفاء منه في غرس ثمرات المشروعات الخيرية الإنسانية الرائدة التي يستفيد من خدماتها شرائح شتّى من المجتمع، وتتجاوزهم إلى مواقع متفرقة في بلدان العالم المحتاجة إلى سنابل الخير وجداوله المنطلقة عبر بيادر متعددة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. والأميرسلطان كما قال عنه شقيقه الأمير سلمان: (جمعية خيرية بذاتها) لماذا؟ لأنه مبادر إلى فعل الخير، متدفق كالنهر في سبيل الخير، يعشق العطاء ويسعى إليه، ويتجاوب معه، ويلبي نداءه، ويؤسس له، ويغرس كلّ يوم شتائله أملاً في استمرارها، وصلة الإفادة منها إلى الأبد، تسقى من خيرات الله، وتتدفق في جداول شتى لتنمية سبل الخير المأمول اتصالها بعد رحيله - رحمه الله، ورضي عنه وأرضاه جزاء ما أعطى ووفى، واستثمر في سبيل الله، لتبقى ثمرات ما قدمه تؤتي أكلها لمصلحة الناس الذين يبتهلون له ولوالديه بالثناء والدعاء المتصلين. - إن رحيل الإنسان الشهم سلطان بن عبدالعزيز يعيدنا إلى مواقف وذكرى تسكن أعماق الذاكرة وأنسجة الوجدان عن حضوره الأثير في حياتنا، وحركة المجتمع عبر فعاليات مثيرة ومؤثرة لا يمكن أن تنسى، عبّرت عنها أفكار ورؤى وأقلام بنماذج شتّى من الصور التعبيرية، وفي إحدى تجليات عودته إلى أرض الوطن عبّرتُ من أعماق الوجدان بقصيدة (لسلطان في نبض القلوب حضور) قلت فيها: حضورك تشريف الحضور، ونور ووجهك بشر المتقين - سرور وبسمتك الضوء المشع تفاؤلاً وسمتك في عرف الملوك مثير حديثك ذرات القلوب، ونبضها يطمئنها - عبر الأثير - أثير رذاذ من الورد الموشح بالهنا رحيق من المسك الأصيل، عبير تلفت في حقل الزهور فتنتشي ويوقظ نعسان الربيع ظهور وتشعل شمعات الخريف بنظرة كأنك في صمت البيان حضور يضوع بك الجود المعطر بالندى وينسجم العودُ - الشجي بخور إذا «قيل ذاك الشهم» رددك الصدى يمينك في جنح الشهامة نور ووقفتك الهتّان يعزف مبهجاً يكفكفه من راحتيك نمير * * * - وأين ما وليت وجهك شطر الكرم والسلطان تجد وجه الأمير الفذ مبتسماً يستقبل الناس، والناس شهود الله في أرضه، لا تقتصر شهادتهم على الإحسان بالكرم والجود وإنما الإحسان بأنماطه ونماذجه الشاملة لقضايا العفو وإصلاح ذات البين، وتحسين أوضاع الأسر، ورجال الأمن والمعوقين، ولا يمكن أن تنسى ذاكرتي معاناة أحد الأصدقاء أصيب بالإعاقة نتيجة حادث سير عنيف، فكتبت عن حالته للأمير الكريم سلطان مرفقاً ما لديه من إثباتات وتقرير طبي بحالته فماكان منه إلا أن بادر بإعانته إعانة عاجلة سخيّة مع ضمان استمرار صرفها سنوياً له مما كان لها الأثر البالغ في تحسين وضع أسرته ورفع معاناتهم، ولا أبالغ إن قلت: إنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر لما أعرفه من دعمه السخي لمشروعات إنسانية خيرية ضخمة، بالإضافة إلى أعماله الخيرية المؤسسية المستمرة في إفادة شرائح شتى من المجتمع تجعل شخصيات الأثرياء الموسرين تتضاءل وتخجل أمام شخصية سلطان الإحسان إن لم تتخذ من هذه الشخصية الفذة قدوة لها في استثمار الخير والإحسان لخدمة المجتمع والإنسانية، وما تحظى به شخصية الأمير (سلطان بن عبدالعزيز) من حضور فذ في ميادين شتّى في المجتمع السعودي والدولي تستقطب غابات من التساؤلات عما تميزت به شخصيته التي تحرض كل من يعرف أعماله ومن لا يعرف أسرار محبته وتقديره واحترامه الذي ينعكس على نفوسهم بعد رحيله، ومدى ما يتركه فقده من تأثير وفراغ عميقين، وهواجس الشعراء الشاعرين تعبّر عن إيقاعات المجتمع ورؤاه وهواجسهم، ذلك ما راودني في موقف من مواقف انتظار حضوره، تعيدها الذاكرة على بوابة الرحيل عند وداع الأمير سلطان - غفر الله له - تقول أبيات منها تمازج تلك التساؤلات الحائرة مسكونة بالحزن والوفاء: ألم تر كيف الشاعرون توافدوا عليك، رؤاهم من رؤاك حبور تسائلني نجد، وشرق، ومغرب شمال وآفاق الجنوب، عسير متى تشرق الأفياء منك بلفتة تحولها عيداً - فدتك - تمور؟ متى يحتفي الوجد الشفيف بفيئه متى يلتقي في الخافقين شعور؟ متى تحتوي الشطآن شوق حبيبها وهمس النخيل الواجمات خرير متى الكوكب الدرّي يأوي لإلفه؟ لسلطان في أوج الحضورحضور * * * - في موقف وداع الأمير الإنسان سلطان بن عبدالعزيز لا أستطيع أن أستقطب كل ما يبرر الوفاء لهذا الرجل ويعبر عن مكانته، وحضوره الأثير في حياة المجتمع ويبرهن على حبّه وتقديره، ومدى الحزن والتأثر بفراقه، فهنالك نخبة من الجوانب السياسية والإدارية، والحقوقية، والعسكرية، والثقافية، والعملية وكراسي البحث العلمية والجوائز التقديرية، والحوافز، والنشاطات الخيريّة المتنوعة يتوزّع الحديث عنها طرائق شتّى، وستبقى في أعماق الذاكرة والوجدان حاضراً يبتهل للأمير الشهم سلطان بأزكى الدعاء، وستنزف الأقلام والعيون والقلوب حزناً تبكيك يا سلطان الخير والإحسان، ونتذرع بالصبر جميعاً ونقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون).