لم يكن صباح يوم السبت 22 أكتوبر 2011 بالصباح العادي، فاستيقظت باكراً ووجدت عددا من الاتصالات من الزملاء على هاتفي الجوال فحدثتني نفسي أنه لا بد من أمر هام يخبرونني به، فاتصلت بأحدهم وكان صوته حزينا للغاية وأخبرني بالحدث المؤلم وهو وفاة ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمه الله, فنزل الخبر علي كالصاعقة هذا الخبر الحزين الذي خيم على أجواء العمل لدينا وكنا جميعا حزينين للغاية وخصوصا أنه أتى إلى السعودية بعد رحلة علاج واستقبله الشعب بكل حب وبهجة وكان الأمير سلطان بالرغم من مظاهر الإرهاق البادية على وجهه إلا أنه يرحمه الله كان مصرا على حضور كافة الفعاليات وكان في أشد مرضه الابتسامة لا تفارق وجهه وكل من يصافحه يبادره بابتسامة مشرقة رائعة، فقد كنا مبتهجين وفرحين بعودة أميرنا الحبيب لكن تحولت هذه الفرحة اليوم إلى دموع وحزن على فرقة أميرنا المحبوب صاحب الأيادي البيضاء الذي كان يسهم في عمل الخير ووساطته الدائمة لفعل الخيرات والصلحات وإعتاق الرقاب. ولعل الشهور الأخيرة من حياة الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله هي الأهدأ في تاريخ عمله الحكومي في ختام مشوار جاوز نصف قرن من الإنجاز المتواصل، فقد اعتاد المواطنون على النجاحات المتلاحقة والمشاريع الطموحة في العديد من المناطق للأمير الحبيب يرحمه الله، إلا أن العارض الصحي الذي ألمّ به فرض عليه رحلة علاجية طويلة خارج المملكة، كان له أثر في غيابه جزئيا عن عدد من المشاركات. ولعل موقف سيد الرجال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز-أبا متعب- عندما استقبل أخاه وولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله بالرياض عقب عودته من رحلته العلاجية في الولاياتالمتحدةالأمريكية كان أثره كبيرا ومؤثرا لمحبي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمه الله. لقد كان الأمير الطيب محبا للخير معطاء طيبا كريما، كيف ننسى موقفه مع الطفل المشلول الذي كان يحمله ويسأله عما يريد ويقول له الطفل أنا أحبك فيجيبه رحمه الله (وأنا بعد أحبك) وموقفه من الطفل اليمني الذي ألقى قصيدة أمامه وصرف له سيارة وراتبا شهريا وهذا كله والله قطرة من غيث، بإحدى رحلاتي خارج المملكة وفي دول إسلامية بعيدة كنت أجد بها الكثير ممن تلقوا العلاج والدعم العلمي والمعيشي من الأمير سلطان بن عبدالعزيز شخصيا والله كانوا يدعون له بالخير ولا أحد يعلم عما يقدمه يرحمه الله. عندما زرت إحدى القرى كان هناك رجل طاعن في السن على كرسي متنقل فسلمت عليه وقالوا له أبناؤه إنني أتيت من الرياض بالسعودية، وكان سمعه ثقيل بعض الشيء، فكرر أبناؤه له ذلك فابتسم وقال: الله الله هذا من بلد سلطان، لقد تكفل بعلاجي ومعيشتي وأعيش بأفضل حال لا أحتاج لبشر والله دعينا له في الحرم عند باب الكعبة ويقول: كم أكرمنا أميركم.. وقاموا بذبح خروف وأكرموني فقط لأنني أتيت من الرياض، وبينما أودعهم قال لي الطاعن في السن: بالله سلم على الأمير سلطان.. وقول له (أبو عبد القادر يدعيلك والله.. إنني أصبحت بصحة ورزق بفضل الله ثم بفضلكم) إنني أحفظ هذه القصة منذ زمن بعيد وآن الأوان لأرويها عن سلطان الخير. من الصعب القول إن الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله كان شخصية عادية فقد جمع رحمه الله بين حنكة إدارة المناطق وبين التوافق الاقتصادي والنهضة العلمية الطلابية فبقدر مشاغله الدائمة يرحمه الله إلا أن حبه لأعمال الخير كانت لا تنقطع وقد تجلى ذلك رحمه الله في العديد من المواقف الخالدة التي أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته، وإنني أعلم الكثير من المواقف الإنسانية السامية التي تجلت في شخص الأمير سلطان. اليوم يغادرنا أبو خالد.. وترجل الفارس من فرسه إلى رب رحمن رحيم، اليوم يبكيك الوطن يا أميرنا الحبيب, اليوم تبكيك الجمعيات الخيرية اليوم يبكيك دار المسنين اليوم يبكيك المرضى والمحتاجين اليوم يبكيك حفظة القرآن الكريم.. اليوم تبكيك دموع من ساعدتهم.. اليوم تبكيك عيون من قدمت لهم الخير.. اليوم يبكيك كل من تشرف بلقائك ولمس الحب والتواضع والخير في كلماتك ونظراتك وعباراتك.. تبكيك عيون الرجال ..وتبكيك عيني يا أبا خالد. نم قرير العين فكلنا ندعو لك خير الثواب على ما أنجزته من أفعال خير كثيرة.. نم قرير العين يا أبا خالد..إلى رحمة ربك نسأل الله عز وجل أن يرحمك ويجعلك في جنات النعيم وأن يحفك برضاه ويلهمك خير الثواب على ما عانيته خلال فترة مرضك العصيب.. وداعا سلطان.. وداعا أباخالد.. أميرا طيبا من نسل ملك طيب.