القطاع غير النفطي يصنع التغيير    بعثة المراقبة الدائمة لروسيا لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفل باليوم الوطني السعودي    رحلة صندوق التنمية السياحي في تمكين مستقبل الاستثمارات في قطاع السياحة    ضربات إسرائيلية تستهدف حزب الله مع تبادل القصف    «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح» تؤكد العمل لإنهاء الأزمة في السودان    دعم خليجي للقضية الفلسطينية    الوحدة يتأهل لدور ال16 في كأس الملك بعد تغلّبه على الفيصلي بركلات الترجيح    نحلم ونحقق.. 990 أمان لكم    استدامة.. تطور وقفزات    مفاهيم القيادة.. ثبات في النهج وصون للمبادئ    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان تهاني القادة بمناسبة اليوم الوطني    أمير تبوك: اليوم الوطني مناسبة لاستحضار مسيرة البناء    بدر الفيصل: ذكرى ملحمة التوحيد    اليوم الوطني ملحمة التاريخ    المملكة واليمن شراكة ومواقف ثابتة    شارك في الحدث رفيع المستوى بقمة المستقبل.. الربيعة: 4 تحديات تواجه العمل الإنساني    قائد محور البقع ل«عكاظ»: اليوم الوطني.. احتفاء بمسيرة عريضة من الإنجازات    اليوم الوطني ال 94 تجسيد للفخر والانتماء الوطني    «المونديال» في قلب السعودية    القيادة تهنئ رئيس مالي    في كأس الملك.. النصر لا يخشى الحزم    للمرة الأولى في المملكة .. "الدمام" تستضيف أول بطولة دولية في كرة الطاولة    الحرص على مواصلة تعميق العلاقات البحرينية السعودية التاريخية التي أرسى دعائمها الآباء    التميمي: توظيف تقنيات الفضاء لمعالجة التغير المناخي    «فلكية جدة»: دخول «الاعتدال الخريفي 2024».. فلكياً    فيصل بن بندر يرعى احتفاء «تعليم الرياض» باليوم الوطني ال94    مناهج عصرية في التعليم.. الهدف بناء الإنسان    الشعر والعرضة والأهازيج الشعبية تزين احتفالات «مكس اف ام» بيوم الوطن    موهوبو المملكة يهدون الوطن 107 جوائز عالمية.. و582 ألفاً يتنافسون داخلياً    العرضة.. فنٌّ تراثيٌّ فريدٌ    بخطى متسارعة.. «غير النفطي السعودي» يتجاوز %4.4    بقيادة الملك سلمان وسمو ولي العهد.. السعودية.. أيقونة الازدهار والابتكار    نحلم ونحقق.. اليوم الوطني السعودي 94    الداخلية تطلق فعالية "عز الوطن 3" احتفاءً باليوم الوطني ال (94)    اليوم الوطني السعودي94..أمجاد تتجدد    مستهدفات عالمية .. وإنجازات حضارية    الأول من الميزان    كأس الملك .. القادسية يتغلّب على العروبة برباعية    شمس الوطن لا تغيب    أروح لمين ينصفني منك؟    يمثل أحد أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري الكبير.. الحراك الثقافي في المملكة.. تحولات جذرية وانطلاقة عالمية    مسجلة في قائمة التراث العالمي في اليونسكو.. عجائب تراثية سعودية تبهر العالم    الثامنة بتوقيت الهلال    تأملات في الزمن والمسافة    الربيعة يتحدث عن التحديات والأزمات غير المسبوقة التي تعترض العمل الإنساني    اليوم.. أول أيام فصل الخريف فلكيا    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم د. عبدالله بن عبدالرحمن العثمان
حبيب الأمة والوطن
نشر في الجزيرة يوم 25 - 10 - 2011

ربما لم يمر الوطن وأهله بحالة من الحزن عمَّت الجميع كحالة هذه الأيام التي يتألم فيها لخبر وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - يرحمه الله -, ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام؛ وذلك لأن هذا الرجل العظيم قد ساس البلاد وأهلها سياسة حسنة، جعلت الجميع يشعرون بأنهم أبناء له؛ لما لمسوا فيه من صدق الرعاية, وحضور الأمانة, وحياة القلب, ويقظة الضمير. لقد اجتمع فيه من الصفات ما لم يجتمع في غيره من رجال زمانه - يرحمه الله -، فهو السياسي المحنك, والإداري الناجح, والعسكري الخبير, والإنساني الحي, وشواهده - يرحمه الله - على كل صعيد من هذه الأصعدة مشهورة كثيرة.
وقد كانت لي تجربة شخصية مع سموه - يرحمه الله - حيث تشرفت بالعمل معه عن قرب لمدة طويلة بلغت (15) عاماً، كانت حافلة بالقيم والمبادئ والتوجيهات السديدة التي كان لها أبلغ الأثر في بناء رؤيتي وصياغة قراراتي وتوجيه أحكامي بما رسخ سموه لديّ من الثوابت العميقة الجذور التي كانت بمنزلة المرجع الذي أحتكم إليه في أكثر شؤوني. لقد كانت تجربتي في العمل مع سموه - يرحمه الله - بحراً من المعرفة، عادت عليّ بما لم أتلقَّ مثله في كل مراحل حياتي.
وفي هذا المصاب الجلل الذي نودع فيه رجل الدولة والإنسانية فإن تاريخه الطويل الحافل بالنجاحات وجهود البناء يحملنا على قراءة بعض صفحاته المسطَّرة بمداد عرقه وخلاصة جهده وعمله الدؤوب. تقلد مناصب قيادية لأكثر من 72 سنة، كان فيها عاملاً مشتركاً في تأسيس هذا الوطن عبر مراحله المختلفة. لقد كان - يرحمه الله - يبني ويؤسس ويجتهد لتحقيق نجاح الدولة ورفاه أبنائها, وانقطع إلى ذلك انقطاعاً كاملاً، واهباً نفسه ووقته للوطن, حتى صرفه ذلك عن الاجتماع بأسرته وأبنائه حتى في أيام العيدين؛ حيث ظل يقضيها بعيداً عنهم لأكثر من ثلاثين عاماً، كان يقضيها مع جنودنا البواسل في الميدان. إنه الإخلاص في أجلى صوره, والأمانة في أوضح أشكالها، والمثالية المطلقة في الحرص على الوطن وأبنائه، فرحمه الله رحمة واسعة.
ويمثل الجانب الإنساني في شخصية سمو الأمير سلطان - يرحمه الله - محوراً في حياته؛ فقد كان بارزاً حياً عمَّ خيره الناس في الداخل والخارج، فبرغم علو منصبه في هرم الدولة وانشغالاته الكبرى فقد ظل قريباً من المحتاجين، يسد عوزهم، ويفرج كربهم، ويعطي فقيرهم، ويداوي مريضهم، ولا يجد قاصده منه إلا قلباً خافقاً، وأذناً سميعة، ونفساً تحس، ويداً تبادر بالعطاء. ولو حاولنا إحصاء من نالهم ببره لتأكدنا من الخطوات الأولى لهذه المحاولة أنها مهمة مستحيلة، هذا في الداخل فقط، فكيف بمن آواهم وأطعمهم وأسقاهم وكساهم وداواهم في الخارج؟ إنهم يفوقون الحصر. ولم تكن وقفاته الإنسانية - يرحمه الله - عطاء مالياً فحسب، بل هي في بعض أشكالها منشآت ستبقى ما بقيت الدنيا، تزيد في رصيد أعماله الصالحة حتى بعد وفاته, وهي تتوزع ما بين مستشفيات ومدارس ومساجد ومنشآت خيرية وآبار للسقيا. وهنا أستعيد كلام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض عنه بقوله: «إنه أحد الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، لا يتوانون عن فعل الخيرات، يتسابقون لمد يد العون لمن ينشده، يتحسسون آلام الآخرين، ويهرعون إلى تضميد جراحهم».
ومَن كانت هذه مآثره فإنه لا يموت أبداً, بل إن الحياة الحقيقية هي حياة المآثر, حياة الذكر الحسن, والسيرة الطيبة, وحسبنا دلالة على قيمة هذه الحياة الثانية التي يعيشها الميت بين الأحياء أن النبي إبراهيم عليه السلام سألها ربه بقوله: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}، إلا أن هذا الأمل عسير التحقق، لا يُوصَل إليه بمجرد الكلام, بل بتراكم الأعمال الإنسانية الصالحة وملء الحياة بالعمل الدؤوب, وهذا ما قضى المغفور له بإذن الله سمو الأمير سلطان حياته عليه, وكم من ميت انقطع ذكره بموته, ونسيه الناس بعد رحيله, وهؤلاء كثير, أما من يظل حياً بمآثره، ويداوم الناس الترحم عليه بعد موته فهم قليلون, أو قليلون جداً؛ لأن صناعة الحياة بعد الموت أمر لا يطيقه إلا العظماء.
ولو وقفنا وقفة يسيرة نقرأ سطوراً من سجله الذهبي في الجانب السياسي لوجدنا بصماته في علاج مشكلات حدودية ظلت عالقة لسنوات طويلة فأغلق ملفها بشجاعة في القرار، وحكمة في التدبير، وعمق في النظر، يحركه في كل ذلك الرغبة في تحصين الوطن بسياجٍ من الأمن والسكينة بعيداً عن القلاقل والاختراقات لينعم المواطن بحياة هانئة مطمئنة. ولو توجهنا بالتفاتة نحو بصماته على الجانب العسكري للمسنا حجم النقلة التي صنعها -يرحمه الله- في النهضة بهذا الجانب وتطوير قطاع القوات المسلحة بكل مكوِّناته البرية والبحرية والجوية حتى صارت المملكة قوة عسكرية فرضت هيبتها واحترامها على المستوى الدولي بما حققه لها المغفور له الأمير سلطان -يرحمه الله- من قفزات على صعيد التطوير والتجهيز والتأهيل والتسليح، مراعياً في كل ذلك آخر التقنيات الحربية.
أما على الصعيد العلمي فقد كان -يرحمه الله- رائداً في هذا الشأن, حتى ربما صح وصفه بأنه (سلطان المعرفة) لشغفه بدعم العلم وغرس مشروعاته ورعايتها ورفدها مادياً ومعنوياً, يبادر إلى ذلك من تلقاء نفسه, ويتلمس بعينه الفاحصة حاجات قطاع التعليم فيسارع لسدها، إيماناً منه بأن تطور العلم وازدهاره شرطٌ لتقدم الوطن, فكان الاستثمار في العقول همه الأول.
وتُعَدّ جامعة الملك سعود من أبرز شواهد شغف سمو الأمير سلطان -يرحمه الله- بالعلم، حتى إن هذه الجامعة لم تكن لتصل لما وصلت إليه لولا دعم سموه الذي حلق بها عالياً حتى صارت جامعة عالمية تستند في شطر من منجزاتها إلى دعم سموه، وتدين له بما حققت، وأبرز وجوه دعمه لها يتمثل في تأسيس معهد الأمير سلطان لأبحاث التقنيات المتقدمة، ودعم وتمويل برنامج الأمير سلطان العالمي للمنح البحثية المتميزة، وتأسيس معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، وإنشاء جائزة الأمير سلطان العالمية لأبحاث المياه، ودعم مجموعة من كراسي البحث في مجالات المياه والبيئة والحياة الفطرية والدراسات الإسلامية المعاصرة، وكذلك تأسيس برنامج سلطان بن عبدالعزيز لتطوير أقسام التربية الخاصة في الجامعات السعودية، ومركز الأمير سلطان الثقافي، إضافة إلى تشريفه عدداً من الجمعيات العلمية في الجامعات السعودية بالرئاسة الشرفية ودعمها وتمويلها.
والحقيقة أن الشعور بفقد الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- قريب من الشعور بفقد الأب؛ لأنه في الواقع كان أباً للجميع، ولذلك فإن من حقه على كل واحد منا اليوم الدعاء له؛ فقد كنا محتاجين له في حياته، وصار هو اليوم محتاجاً لنا بعد رحيله, وهو لا يريد منا غير الدعاء, الدعاء الصادق له بالرحمة والمغفرة والجنة, وهذا أقل واجب له علينا, ولا يفرط فيه إلا مقصر. وأنا على ثقة بأن أبناء المملكة جميعاً رجالاً ونساء بل وأطفالاً لن يقصروا في الدعاء له, وستشاركهم في ذلك أمم خارج المملكة, ومنبع ثقتي بهذا ما رأيته على الساحة الشعبية والساحة الإعلامية بل والساحة الدولية من الانشغال به والحديث عن مآثره، بل صارت مجالسنا عزاء له، واتصالاتنا الهاتفية تبدأ بالعزاء فيه والدعاء له، ومنتديات مواقع الإنترنت تلهج بالحديث عنه والترحم عليه، ومواقع التواصل الاجتماعي مشغولة فيه وله، وهذا الانتشار والانشغال الذي جعله حَدَثاً غطى كل الأصعدة يؤكد أن الراحل جبلاً راسخاً هز البلاد والنفوس، وأدمى القلوب، وستظل ذكراه حيةً بين الناس، داعين له مترحمين عليه.
وفي الختام أرفع العزاء في وفاة سموه الكريم -يرحمه الله- إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز ولسمو أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهم الله جميعاً- ولكل أبناء الفقيد وذويه وإخوته، وللشعب السعودي والأمة الإسلامية عامة، سائلاً الله أن يجبر مصابنا بفقده، وأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته.
مدير جامعة الملك سعود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.