رحل سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز تاركاً وراءه سيرة رجل دولة بصماته تتواجد في كافة مفاصلها، عبر عمر امتد لعقود طويلة متنقل في مراكز القيادة فيها. سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله- لا تدري في أي مصاف تضعه ضمن المؤثرين في تاريخ بلادنا خلال العقود الخمسة الأخيرة. هل تكتب عنه كرجل إدارة أم كرجل بر وخير أم كرجل قيادة عسكرية أم كمحنك سياسي؟ المؤكد أنه كان جامعاً لمختلف المهام متميزاً في ما أوكل إليه من علم إداري ومضيفاً إلى سيرته الإدارية سيرته كإنسان لم تنسه صرامة وحساسية المهام القيادية التي تولاها فعل الخير عبر العديد من الأعمال الإنسانية التي تبناها ودعمها على المستوى المحلي والإسلامي. ترأس الأمير سلطان لجان الإصلاح الإداري بالمملكة، وبالتالي بصماته كانت ولازالت موجودة في جهازنا الإداري بمختلف القطاعات، فضلاً عن ترؤسه العديد من اللجان والمجالس والهيئات العليا التي استمدت من قيادته لها هويتها وقدرتها على الوقوف كأجهزة متميزة في عملها. على المستوى العسكري لا يذكر الجيش السعودي دون أن يذكر بانيه الأول سلطان بن عبدالعزيز فقد وهبه كل ما يملك من وقت وتركيز فنقله نقلات نوعية لا يستطيع أن يغفلها مراقب منصف. سلطان بن عبدالعزيز لم يبن الجيش السعودي فقط بل قام ببناء مدن عسكرية مدنية بأكملها شواهدها قائمة في الخميس وتبوك وحفر الباطن وغيرها، وقام ببناء المدن الطبية والتعليمية التي تشهد بها كافة القطاعات العسكرية في مختلف أرجاء البلاد. أما على المستوى الإنساني وهو الجانب الذي استحق عليه لقب « سلطان مؤسسة خيرية متحركة» من قائد هذه البلاد فلمساته تجاوزت الأعمال والمساهمات الفردية إلى العمل المؤسسي الدائم ممثلاً في مؤسسته الخيرية التي امتدت وتنوعت نشاطاتها الخيرية من أقصى البلاد إلى أقصاها. سلطان بن عبدالعزيز لم يكن يحب إبراز أدواره السياسية التي كان فيها العون والسند لقيادات بلادنا المختلفة، لكن لا أحد يستطيع إنكار دوره في واحد من أصعب الملفات السياسية المتمثلة في حدنا الجنوبي، فقد كان مهندس تلك السياسة يعمل بصمت وحكمة قل أن تجد لها مثيلاً. والحديث عن سلطان لا يمكن أن نغفل فيه إيمانه بوحدة هذا الوطن وكافة أطيافه وأبنائه. يشهد بذلك نظرة سريعة إلى تنوع أطياف العاملين معه في مختلف المرافق وعلى مختلف المستويات القيادية والتنفيذية، من مختلف مناطق المملكة شمالها وجنوبها ووسطها وشرقها وغربها. كان الحاضن والداعم لجميع الكفاءات الوطنية بغض النظر عن انتماءاتها المناطقية والفئوية كنموذج للقائد الوطني الذي تعلو لديه قيمة الوحدة الوطنية على كل القيم. رحم الله سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، فإن مات فشواهد أعماله ستبقى خالدة بإذن الله.