سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأبعاد السياسية والأمنية لأحداث 11 سبتمبر على العالم العربي بالتعاون مع مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية لندن
العرب وإسرائيل والدولة الفلسطينية
تصريحات بوش حول «الدولة الفلسطينية» هل تعكس تحولا حقيقيا، ام «وعود حرب» ستتبخر ؟
كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر تأثيرها المباشر على دائرة الصراع العربي الاسرائيلي، بالنظر الي عدة اعتبارات هي: 1 وقعت هذه الاحداث قبل ايام من بلوغ الانتفاضة الفلسطينية لعامها الاول، وما احدثته الممارسات الاسرائيلية ضدها من توتر في المنطقة، وانهيار مشروع السلام الذي بدأ مع مؤتمر مدريد لعام 1991، بحيث سيطرت لغة الحرب على مفردات الخطاب السياسي الاسرائيلي في ظل حكومة آريل شارون. 2 وقعت هذه الاحداث كذلك في ظل موقف امريكي لادارة الرئيس بوش، اتسم بالتحيز التام لصالح اسرائيل، حتى انه لم يستقبل الرئيس عرفات منذ مجيئه الى البيت الابيض، كما كان يتبنى رؤية مفادها عدم الانغماس في تفاصيل الصراع العربي الاسرائيلي، وترك الامور لكي تنضج على «نار هادئة»، وكان التصريح الذي ادلى به قبل احداث سبتمبر بفترة قصيرة معبرا بشكل جلي عن رؤيته المتحيزة هذه، حيث قال إن اسرائيل لن تستطيع ان تتفاوض في ظل الارهاب «داعيا الرئيس عرفات الى «بذل جهد اكبر» في مواجهة ما اسماه ب «الارهاب الفلسطيني» حتى ان الدكتورة حنان عشراوي علقت على هذه التصريحات بقولها ان «بوش بدا وكأنه متحدث باسم شارون». وفي ظل هذا الموقف الامريكي، لم تستطع اوروبا ان تسد الفراغ، او تكون عامل توازن، حيث كانت تتحرك ضمن حدود معينة غير مسموح لها بتجاوزها من قبل واشنطن وتل ابيب، والامر نفسه ينطبق على الاممالمتحدة. وبعد الحادي عشر من سبتمبر بدت الصورة مختلفة من اكثر من ناحية في ظل امور عدة هي: في الوقت الذي شجب فيه العرب الهجوم على الولايات المتحدة، فانهم طالبوا بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، والوقوف امام الارهاب الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. تصريح الرئيس بوش الذي اعترف فيه بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة، مما ادى الى توتر مع اسرائيل، بعد رد الفعل العنيف من اريل شارون على هذا التصريح. التحرك الاوروبي النشط في المنطقة، حيث كرر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير نفس تصريحات بوش عن الدولة الفلسطينية، وميز وزير الخارجية البريطاني جاك ستروبين الارهاب والعمليات الفدائية الفلسطينية ضد اسرائيل مما ادى الى اغضاب المسئولين الاسرائيليين وتهديد شارون بعدم استقباله مرة اخرى في اسرائيل. وحتى رئيس الوزراء الايطالي بيرلوسكوني الذي اثار ضجة بسبب تصريحاته التي اعتبرت عنصرية وعدائية ضد الاسلام، قال امام مجلس الشيوخ في 9/10/2001 إن هناك ضرورة لتطبيق خطة مارشال على فلسطين، لان احلال السلام في العالم سيكون صعبا للغاية ما دامت المواجهات ممتدة في الشرق الاوسط «ان شغلنا الشاغل يجب ان يكون فلسطين» واضاف «اننا نريد سلاما عميقا بين الغرب والاسلام» ويشير التحرك الاوروبي في هذا الصدد، وخاصة البريطاني، الى ان ثمة توزيع ادوار بين امريكا واوروبا، تقوم بمقتضاها الأخيرة بدور المهدىء للأوضاع بين العرب واسرائيل حتى لا يؤثر انفجارها على مسار الحرب في افغانستان. برزت بعض الاصوات داخل الولايات المتحدة نادت باعادة النظر في المواقف الامريكية من الصراع العربي الاسرائيلي لتفادي تعرض مصالحها للخطر في الداخل والخارج. ويثير ما سبق عدة تساؤلات حول: اهمية التصريحات الامريكية والاوروبية حول «الدولة الفلسطينية»، وهل يعكس ذلك تحولا حقيقيا، ام ان الامر لا يخرج عن كونه «وعود حرب» سوف تتبخر بعد انتهائها كما حدث بعد حرب الخليج الثانية. وفي الاجابة على هذه التساؤلات لا يمكن القول بشكل مطلق ان تصريحات بوش تعبر عن تحول جذري وحقيقي أو أنها تعبر عن ذلك، وإنما للأمر جانبيه، السلبي والإيجابي. أولاً: الجانب الإيجابي: وأهم عناصر هذا الجانب هي: 1 ان الموقف الأمريكي الذي عبر عنه بوش فيما يخص الدولة الفلسطينية مثَّل تحولا عن مواقفه هو شخصيا ومواقف ادارته كما سبقت الاشارة، وهذا معناه أنه يدرك أهمية المواقف العربية في اطار الحرب ضد افغانستان وفي مسألة الإرهاب بشكل عام، لدرجة أنه غيَّر مواقفة العلنية من القضية الفلسطينية بهذا الشكل. والدور الآن على العرب لكي يستثمروا الفرصة ويطالبوا بخطوات عملية تتجاوز حدود التصريحات. 2 المواقف الرسمية الامريكية والاوروبية ليست وحدها التي طالها التغيير بخصوص القضية الفلسطينية، ولكن المواقف الشعبية والاعلامية ايضا، وهذا ما يتضح من كم المقالات والتعليقات الصحفية التي نشرتها الصحف الامريكية والاوروبية خلال الفترة الاخيرة والتي تدعو الى ضرورة مراجعة الولايات المتحدة لسياستها في الشرق الأوسط بحيث تصبح أكثر عدلاً وأقل انحيازاً لجانب اسرائيل. 3 الموقف الأمريكي من «الدولة الفلسطينية» جاء في اطار موقف عام اتسم بالمرونة النسبية تجاه العرب خلال الفترة القصيرة الماضية، واهم مظاهره هي: عدم عرقلة الولايات المتحدة لعملية رفع العقوبات عن السودان من قبل الاممالمتحدة، وتطور العلاقات بين البلدين بشكل ملموس. عدم اعتراض واشنطن كذلك على احتلال سوريا لمقعد في مجلس الامن على الرغم من انها قد وقفت ضد هذا الامر في السابق، رغم ان اسرائيل قد طلبت منها الاعتراض. 4 ذكرت صحيفة «الجارديان» في 13/10/2001، ان هناك مبادرة امريكية بالفعل حول عملية السلام في الشرق الاوسط، اهم عناصرها المقترحة هي: تسوية اقليمية تتضمن اعادة جميع اراضي الضفة الغربية الى السيطرة الفلسطينية. دولة فلسطينية مستقلة واعتراف متبادل بين اسرائيل وهذه الدولة مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. السيادة المشتركة على القدس باعتبارها عاصمة مشتركة. 5 يشير البعض الى نقطة اخرى ذات علاقة بما سبق وهي انه على اعتبار ان شارون يعد عقبة اساسية امام اي تسوية معقولة في المنطقة، فان ذهابه سوف يوفر بيئة مناسبة نسبيا للتوصل الى هذه التسوية، ووفق بعض التحليلات فان شارون قد اقترب من النهائية حيث انسحب حزبان يمينيان متشددان من الائتلاف الحاكم الذي يرأسه، فيما يبدي حزب العمل المشارك في الائتلاف، رغبة في اتباع اسلوب مختلف مع الفلسطينيين يقوم على استئناف عملية التفاوض. ثانياً: الجانب السلبي: بخلاف الجوانب «الايجابية» السابقة، فان التصريحات الامريكية والاوروبية حول الدولة الفلسطينية، يمكن النظر اليها بعين اخرى، واعتمادا على السوابق التاريخية، واستقراء لواقع التطورات في المنطقة والعالم، ووفق ذلك يمكن الاشارة الى عدة نقاط اساسية هي: * حرص الرئيس الامريكي وهو يعلن تأييده لاقامة دولة فلسطينية، على القول بان هذا الاعلان هو جزء من موقف ثابت وسابق دون ان يدلي باي تفاصيل عن: شكل الدولة، ومساحتها، ووقت ظهورها للحياة.. الخ وهذه كلها امور اهم من الاعلان الامريكي ذاته، وتشير المصادر الى ان ما اعلنه بوش كان جزءا من خطة كان وزير الخارجية الامريكي كولن باول سوف يطرحها امام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها السنوية في سبتمبر الماضي، إلا ان الرغبة الامريكية في حشد تأييد العرب لحربها ضد «الارهاب» قد عجلت من الاعلان حول الدولة الفلسطينية. اي ان هذه الخطة كانت معدة سلفاً قبل التفجيرات، وبالتالي فإن ما عبر عنه بوش بشأن الدولة الفلسطينية ليست له علاقة بالتطورات اللاحقة ل11 سبتمبر إلا من حيث توقيت الاعلان فقط. * هذا الإعلان وان كان جديدا بالنسبة لبوش ذاته، فانه ليس جديدا بالنسبة للمبادىء والقواعد التي قامت على اساسها عملية السلام منذ عام 1991، حيث كان معروفا ان هدف هذه العملية النهائي هو اقامة دولة فلسطينية، اضافة لذلك فان بوش لم يحدد شكل هذه الدولة وحدودها كماسبقت الاشارة، ولم يشر الى انها ستقوم وفق مرجعية مؤتمر مدريد وهي قرارا مجلس الامن رقما 242 ، 338.. بل ان شارن نفسه يوافق على اقامتها لكن بشرط ان تكون منزوعة السلاح وتراقب اسرائيل حدودها، وهذا ما اعلنه بالفعل تعليقا على تصريحات الرئيس الامريكي. ثمة امر اساسي اشار اليه «ألان فيليبس» في صحيفة تليجراف يوم 13/10/2001، هو ان الرئيس الامريكي ليس مطلق اليدين في تنفيذ وعوده حتى لو كان يقصدها تماماً وينوي الالتزام بها، فهناك اللوبي اليهودي القوي والمؤثر داخل كل اروقة صنع القرار في الولايات المتحدة والذي سيحول دون اتخاذ اي خطوات يرى انها تضر «امن اسرائيل» وفي ذلك قال فيليبس «في عام 1956 كان باستطاعة الرئيس الامريكي ايزنهاور اصدار الاوامر الى القوات الاسرائيلية والفرنسية والبريطانية بالانسحاب من سيناء، ولكن الوقت تغير الآن، فمشاعر التأييد المؤيدة لاسرائيل قوية داخل الكونجرس، حيث يضمن الأصوليون المسيحيون مع اللوبي الصهيوني الحصول على شبه اجماع بالنسبة للقرارات المتعلقة باسرائيل». وهنا لا بد من الإشارة إلى أمرين: الأول: ان اسرائيل سعت وتسعى بكل جهدها لمواجهة اي تداعيات «سلبية» لتصريحات الرئيس بوش، يساعدها في ذلك اللوبي اليهودي في امريكا واوروبا، وقد سافر الى واشنطن عشرات المبعوثين الاسرائيليين لمناقشة هذا الامر. حتى ان وزير الخارجية الامريكي كولن باولن قد اكد ان بلاده «لن تبيع» اسرائيل، من اجل مقاومة الارهاب او ارضاء العرب والمسلمين. الثاني: ان العرب، على الجانب الآخر، لم يستثمروا «التغير» في موقف الادارة الأمريكية بشكل مناسب، فالأمين العام للجامعة العربية بدأ زيارة لواشنطن بعد أكثر من شهر من احداث 11 سبتمبر، وهذا نابع من عدم الاتفاق العربي، سواء من خلال الجامعة او اي اطر اخرى، على موقف موحد تجاه الولايات المتحدة خلال هذه المرحلة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من المستجدات على الساحة الدولية. * التصريحات الامريكية والبريطانية بشأن الدولة الفلسطينية تدخل في باب «وعود الحرب» التي تتأثر بظروف هذه الحرب وغالبا ما لا تجد فرصة للتنفيذ بعد انتهائها، والتاريخ مليء بالامثلة على ذلك وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الغرب مع العرب والعالم الاسلامي، هذه الامثلة عددها روبرت فيسك في صحيفة الاندبندنت البريطانية في 17/10/2001 في الآتي: وعدت بريطانيا في القرن التاسع عشر بتقديم المساعدة للمقاتلين الأفغان إذا تمكنوا من صد الروس، إلا ان هذا لم يحدث، ووعدت الولايات المتحدة ببرنامج لانعاش واصلاح وتنمية افغانستان اذا تمكن «المجاهدون الافغان» من هزيمة الاتحاد السوفيتي، ولكن الذي حدث انها نفضت يديها من الملف كله، وتركت افغانستان تتجاذبها قوى متصارعة حتى وصلت الى ما وصلت اليه بسبب تخاذل واشنطن ولندن. في عام 1990. وعد بوش الاب بنظام عالمي جديد به شرق اوسط آمن وخال من الاسلحة النووية، ولكن بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، انطلقت عملية السلام ولم يكتب لها النجاح بسبب تخاذل واشنطن في الضغط على اسرائيل، وظلت الترسانة النووية الاسرائيلية كما هي، وانتهى فيسك الى القول بان التاريخ يعيد نفسه مرة اخرى في وعود بوش وبلير بشأن «الدولة الفلسطينية». * لم يتجاوز التغير في الموقف الامريكي الاوروبي من القضية الفلسطينية حدود التصريات والبيانات اللفظية، في الوقت الذي تستغل فيه اسرائيل الظروف الحالية في تدشين واقع جديد على الارض في فلسطين، ولا شك في ان عودة سياسة اغتيال الناشطين الفلسطينيين بعد توقف لفترة، انما يشير الى ان تل ابيب تنفذ استراتيجية محددة للاستفادة من الظروف الدولية الحالية بصرف النظر عن اعلانات واشنطن او «تحذيراتها». * من الأمور المثيرة للدهشة، انه في الوقت الذي تحدثت فيه الولايات المتحدة عن تأييدها لاقامة دولة فسطينية، أكدت على ان «الحملة ضد الارهاب» لن تتوقف عند حدود افغانستان، وانها ستشمل دولا وجماعات اخرى في المنطقة، وهذا معناه ان دولا عربية تتضمنها لائحة وزارة الخارجية الامريكية يمكن ان تتعرض للهجوم، وكذلك بعض الجماعات مثل حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي... الخ. ويشير كل ما سبق إلى أن القضية الفلسطينية سوف تواجه خلال الفترة القادمة واقعاً اكثر صعوبة مما واجهته بعد حرب الخليج الثانية بالنظر الى عدة اعتبارات اهمها: التوتر الذي لحق بعلاقات واشنطن مع بعض الدول العربية بسبب مواقفها التي اعتبرتها، «سلبية أو مترددة»، من «التحالف الدولي ضد الإرهاب». على الرغم من تصريحات بوش حول «الدولة الفلسطينية»، فان كل المؤشرات تؤكد ان اهمية اسرائيل في الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة سوف تزيد خلال الفترة القادمة. حيث تشير جميع الدلائل الى ان واشنطن لن تغادر افغانستان او دول اسيا الوسطى بعد انتهاء «حملتها» وانما ستبقى بالقرب من ايران ومنابع النفط وبحر قزوين وفي الفناء الخلفي لروسيا، وتعتمد واشنطن في ذلك على اسرائيل وتركيا سواء في مواجهة ايران او روسيا. من اهم اهداف الاستراتيجية الامريكية الكونية خلال الفترة القادمة، مواجهة ما تسميه ب «التطرف الاسلامي»، وفي هذا الصدد تحرص اسرائيل دوماً على ان تقدم نفسها على انها عنصر أساسي في هذه الاستراتيجية ولديها الخبرة والحافز والقدرة على التحرك. ومعنى ما سبق ان اسرائيل سوف تزيد اهميتها لدى الولايات المتحدة، فيما تتعرض الاخيرة لضغوط داخلية لاعادة النظر في علاقاتها العربية. وفي الاجمال لا يمكن النظر الى حديث بوش وبلير عن «الدولة الفلسطينية» الا باعتباره «وعود حرب» ليس هناك، حتى الآن ما يضمن تنفيذها، إلا ان يتم البدء بالفعل في خطوات ملموسة على ارض الواقع، وعدم التأجيل إلى ما بعد انتهاء الحرب في افغانستان، فالتجارب السابقة تؤكد على ان استراتيجيات ما قبل الحروب تختلف عن الاستراتيجيات اللاحقة لها.