سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بذلت المستحيل من أجل الرسالة وقرأت أكثر من أربعمائة رواية فلسطينية الدكتور حسين المناصرة في أطروحته العلمية «المرأة وعلاقتها بالآخر في الرواية الفلسطينية»:
تملأ أرفف المكتبة العربية اكثر من سبعمائة رواية فلسطينية وهذا العدد ليس بالقليل قياسا الى ما انتج في الكثير من الدول العربية الاخرى وهذا العدد الوفير من الروايات شكّل معالمها مبدعون فرضوا اسماءهم في سماء الابداع الروائي الفلسطيني كجبرا ابراهيم جبرا وغسان كنفاني واميل حبيبي وسلوى البنا وسحر خليفة والناقد الدكتور المعروف حسين مناصرة الذي حصل للتو على شهادة دكتوراه على رسالته الاكاديمية الموسومة ب «المرأة وعلاقتها بالآخر في الرواية الفلسطينية» وهي رسالة قدمت لنيل درجة الدكتوراه في قسم البحوث والدراسات العربية بمعهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة 1421ه 2001م. وقد اجرينا معه حوارا موسعا للحديث حول معالم تلك الرسالة العلمية وابرز ما تتحدث عنه من ابحاث وفصول. الرواية الفلسطينية * ما مكانة الرواية الفلسطينية في قائمة الرواية العربية؟ تشكل الرواية الفلسطينية من حيث الكم ما يزيد على سبع مئة رواية، وهذا العدد ليس بالقليل قياسا الى ما انتج في الكثير من الدول العربية الاخرى اذ يمكن ان تعد الرواية الفلسطينية من خلال هذا العدد الرواية الثانية في العالم العربي بعد مصر، بل يمكن ان تعد الرواية الاولى قياسا الى عدد السكان، وهذا الكم الروائي لا يعني على اية حال من الاحوال اي تميز للرواية الفلسطينية على الرواية العربية، لكون الرواية الفلسطينية من الناحية الفنية جزءا لا يتجزأ من واقع الرواية العربية في مراحلها المختلفة بين الترجمات الاولى، والنشأة غير الفنية في المرحلة الرومانسية والتطور نحو الفن في الرواية الواقعية، والانتقال الى الرواية الفنية ذات البنية الجمالية المتماسكة، ثم الرواية الملتزمة بعد حزيران فالرواية الجديدة.. الخ. انما قد تشكل العلاقة بين الرواية الفلسطينية وواقعها المأسوي المتمثل في ظروف الاحتلال الصهيوني لفلسطين نقطة الانطلاق المركزية في جل الروايات الفلسطينية اذ تكشف روايات كثيرة عن سيرة الكفاح والمقاومة والتأريخ لحركية الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الاستيطاني البشع الذي يسعى دوما الى تفريغ الارض من اهلها، وتشريدهم في بقاع العالم، مما اوجد سياقين في الرواية الفلسطينية، سياق ما سمي برواية الداخل اي الرواية داخل فلسطينالمحتلة وسياق الرواية في الشتات اي الرواية في المنفى خارج فلسطين ونتيجة لهذه العلاقة الحميمة بين الرواية وواقعها المأسوي صنفت روايات كثيرة تحت سقف ادب المعركة او المقاومة او المواجهة او الميدان.. ومع ذلك حافظت الرواية الفلسطينية على بنيتها الجمالية المتآلفة مع الرواية العربية، لتغدو كيانا عربيا مهما في مسيرة هذا الفن في القرن العشرين من خلال مجموعة مهمة من الاسماء الفلسطينية امثال: خليل بيدس، وجبرا ابراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وإميل حبيبي، ورشاد ابو شاور، وابراهيم نصر الله واحمد عمر شاهين، وافنان القاسم، وتوفيق فياض، وسحر خليفة، وسلوى البنا، وعلي حسين خلف، ويحيى يخلف، وفيصل حوراني، وليانة بدر، ونبيل خوري، ونواف ابو الهيجا، ووليد ابوبكر، وآخرين يتجاوزون المئتي روائي. دوافع الكتابة * لماذا اخترت الرواية الفلسطينية، وما الدوافع وراء اختيارك لهذا الموضوع؟ في البحث الذكي لابد من تحديد مساحة الرواية وتخصيصها لتناول اشكالية المرأة وعلاقتها بالآخر لذلك بدا من المستحيل ان يكون فضاء هذه الدراسة شاملا الرواية العربية على وجه العموم، لان الرواية العربية انتاج بيئات مختفة واشكاليات معقدة، وعلى هذا الاساس اخترت مساحة الرواية الفلسطينية بوصفها ثلاث بيئات رئيسية، هي: بيئة الاحتلال داخل فلسطينالمحتلة، وبيئة الشتات في المخيمات، وبيئة الشتات المندمج في المدن العربية والاجنبية!! وكأنني استطعت من خلال هذه البيئات الثلاث التي تتوحد في سياق معاناة الفلسطيني الذي فقد ارضه وأمنه، ان احصر اطار الاشكالية في حيز محدد. اما الدوافع كثيرة ابرزها انني قرأت ما يقارب اربعمائة رواية فلسطينية قبل التفكير في الكتابة عن المرأة وعلاقتها بالآخر في هذه الرواية، يضاف الى ذلك انني كتبت عدة دراسات عن الرواية الفلسطينية، كما انني من الممكن ان اتصور نفسي جزءا من البنية السردية في فلسطين، بعد ان قدمت في مجال الرواية ثلاث روايات، هذه الدوافع ليست عاطفية بقدر كونها علاقة حميمة واعية بيني وبين الفنون السردية عموما، والرواية العربية في فلسطين على وجه الخصوص!! لكن الدافع الرئيس لكتابتي عن الرواية الفلسطينية يتمحور في تجاوز جل الدراسات التي تناولت الرواية الفلسطينية، والتي تعاملت مع هذه الرواية وكأنها تاريخ للشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال ولم يلتفت الدارسون كثيرا الى الجماليات الفرعية.. وحتى عندما درست الفرعيات نجدها قد همشت من خلال الصورة العامة للفلسطيني في مواجهة عدوه، لذلك كانت دراستي تنطلق من خصوصية المرأة الى تفريعات علاقاتها، محاولة لرسم البنية الكلية لشخصية المرأة فيما انتجه بعض الروائيين في اعمالهم كلها موضحا الثابت والمتغير ما بين رواية واخرى في الرؤى والجماليات معا، كما اعتقد. * هل درست جميع الروايات الفلسطينية في بحثك الاكاديمي أم اقتصرت على مجموعة من النماذج فقط؟ كما قلت، من المستحيل ايضا، دراسة هذه الاشكالية في سبع مئة رواية فلسطينية، لذلك حددت البحث في ست وثلاثين رواية لسبعة روائيين، هم بكل تأكيد ابرز الروائيين الفلسطينيين تمثيلا لقضايا المرأة، كما انهم على العموم من افضل الروائيين اهتماما بالجماليات اخترت روايات جبرا ابراهيم جبرا، وغسان كنفاني، واميل حبيبي، تمثيلا عن الرواية الذكورية، واخترت روايات : سحر خليفة، وليانة بدر، وسلوى البنا، وليلى الاطرش تمثيلا عن الرواية النسوية، وكما ذكرت سابقا فقد حرصت على تناول اعمال الروائي كلها، لبناء البنية السردية الشاملة، بما فيها من ابعاد نمطية او متغيرة، لمعرفة مدى استقرار النظرة او تعدديتها في بناء شخصية المرأة رؤى وجماليات في التجربة السردية كلها لدى الروائي او الروائية. شخصية المرأة * ما الذي توصلت اليه في بحثك من أهداف؟ في البداية اعتقد ان اهم هدف انتجته في البحث قام اساسا على معرفة ما انتجه الروائي على طريق شخصية المرأة وعلاقاتها في روايات لذلك لا تستغرب ان تجد الروائي يكرر نفسه في رواياته كلها، بمعنى ان اغلب الروائيين الذين درستهم كرروا أنفسهم فجاءت صور المرأة عندهم نمطية، وعلاقاتها مرسومة مسبقا ولا يوجد تفسير واضح في الخطوط العامة والهدف الآخر المهم ايضا ان الروائيات في الغالب رسمن صورا سلبية للذكور، وقد كانت العلاقات في الرواية النسوية على وجه العموم علاقات عداء وحرب، وفي المقابل تعامل الروائيون مع النساء بوصفهن «أشياء» من خلال نماذج نمطية علاقات مكررة عن الام المثالية، والزوجة «الحرمة» والحبيبة والمرأة الرمز للارض. وتأكد ايضا ان الروائي الفلسطيني انتاج ظروف اجتماعية وثقافية واقتصادية ونفسية معقدة.. كونت عنده ذاكرة ابداعية لها ملامح فكرية وجمالية شبه ثابتة مما أحدث تأثيرا حاسما في بناء رواياته فبدت هذه الروايات رغم تعدديتها كما اشرت محكومة بنظرة مستقرة بخصوص توظيف شخصية المرأة في بنيتها مما يجعل الأفكار العامة تتشكل بالمستوى نفسه من رواية الى أخرى.. يضاف الى ذلك ان شخصية المرأة شكلت علامة رئيسة وعلاقة محورية في بنية الرواية الفلسطينية على وجه العموم، فالمرأة لا تغيب عن اية رواية، بل ان حضورها خاصية جمالية تعطي بنية السرد قيمتها الحقيقية، اذ لا اهمية على الاطلاق لأية رواية بدون اشتغالها على شخصية المرأة في جوانبها المتعددة، الانثوي والأم، والضحية، والرمز، والتمرد، والانساني، والثقافي، والانتاجي.. وبهذا ندرك ان شخصية المرأة في الرواية الفلسطينية عميقة الدلالات والرؤى وانها انتجت جماليات حاسمة في نجاح الرواية وتواصلها مع المتلقين. كما ابرزت الرواية الذكورية المرأة بوصفها دورا في العلاقات وهذا الدور يحقق للمرأة صوتا خاصا بها بمعنى ان الرواية الذكورية قصرت عن ابراز شخصية المرأة صوتا له خصوصية الحركة والثقافة والفكر والأحاسيس والانسانية، وفي مقابل ذلك ابرزت الرواية النسوية المرأة صوتا، وجعلت الرجل في حياتها دورا، فخفت صوته، ليعلو صوتها الذي قدم لنا مشاعرها وافكارها وتصرفاتها بل وسيرة حياتها الحية لانتمائها الى تجربة الكاتبة نفسها وعلى هذا الاساس حولت الكاتبة شخصية الذكر في رواياتها الى شخصية مفعولة مهمشة وقلما كانت هذه الشخصية المفعولة ايجابية في شكلها وعلاقاتها او صورها، اذ وجدنا مجمل الذكور تقليديين غير انسانيين في تعاملهم مع المرأة في حين قدمت الكاتبة صورة ايجابية للمرأة المثقفة في اغلب الاحيان. اذ تعبر المثقفة عن ايجابياتها من خلال وعي الكاتبة وثقافتها. من هنا تختلف الرواية النسوية عن الرواية الذكورية في المنظور والرؤى والجماليات، حيث تنطلق الرواية النسوية من ذات انثوية مستلبة، في حين تنطلق الرواية الذكورية من ذات ذكورية مهيمنة ابوية، لهذا تمثل الرواية النسوية السعي الحثيث الى هدم القيم الذكورية المهيمنة من اجل بناء رواية جديدة للعلم تكون فيه النسوية مساوية للذكورة في سياق الانسانية والحرية الذاتية والتساوي في الحقوق والواجبات. وقد اتضح من جماليات تأثير الشخصية النسوية على اللغة السردية، والعلاقات والزمكانية، ان المرأة تعد اهم العناصر الجمالية التي تجعل القراءة النقدية مثيرة لكونها مسكونة بالمرأة واشكالياتها وعلى هذا النحو تعد قراءة المرأة في الرواية من أبرز مظاهر الكتابة النسوية الجديدة، او على وجه الخصوص من ابرز مظاهر النقد النسوي الذي اتخذ على عاتقه التنظير لهذه الكتابة كلغة جديدة وايضا كضرورة لاعادة قراءة النصوص المكتوبة من منظور الرؤية النسوية وآلياتها الجمالية، وهذا ما حاول هذا البحث التنظير له، وايضا تفعيله نقديا. التعددية المنهجية * ما المنهج او الخطة التي سرت على ضوئها في بحثك؟ استفدت من مناهج عديدة تشكل سياق النقد الثقافي الذي تتضافر داخله عدة مناهج اذ الهدف تجلية اشكالية البحث بوصفها حفرية متعددة المستويات فاستفدت من مناهج: الاجتماعي والنفسي، والتاريخي، والهيكلي، اذ يفيد الاجتماعي في التعرف الى التداخل بين الرواية والحياة ويفيد النفسي في التعرف الى التداخل بين الرواية وكاتبها ويفيد التاريخي في التعرف الى انعكاس الحوادث التاريخية على الرواية ويفيد الهيكلي في ابراز المعمار الفني وجمالياته التي تجعل من رواية ما رواية فنية، ومن اخرى سردا ليس له من فن الرواية الا الشكل. وهذه التعددية المنهجية لم تلغ تعلقي بفاعلية منهج «البنيوية التكوينية» بوصفه منهجا مهما وحيويا في دراسة الرواية، لقدرته على سبر اغوارها خاصة انه استفاد من النظريات الاجتماعية في دراسة الادب ، كما بامكانه ان يدرس ماهو جوهري في النص وذلك بعزل بعض العناصر الجزئية عن السياق، وجعلها كليات مستقلة ويمكن ايضا، من خلاله، دمج العمل الادبي في الحياة الشخصية لمبدعه، وفي خلفية النص الاجتماعية والتاريخية من خلال رؤية العالم عند الجماعة التي ينتمي اليها الكاتب، والتساؤل عن الأسباب الاجتماعية والفردية التي ادت الى هذه الرؤية كظاهرة من ظواهر الوعي الجمالي ثم ان مقولة رؤية العالم المنبثقة من الانتماء الاجتماعي تعد من اهم مقولات البنيوية التكوينية والمفتاح الرئيس لفهم النصوص في ضوء ادراكنا لكون الثقافة والوعي والعمل الفني والفلسفة تشكل جزءا لا يتجزأ من العلاقات الاجتماعية مما يجسد الرؤية المحورية التي تكاد تتكرر في الروايات ، وربما تغدو رؤية العالم التكوينية اكثر فاعلية اذا اتفقت مع الحوارية صياغة ابداعية ثقافية تتكون من خطاب تعيها الذاكرة الجماعية، وعلى كل واحد في المجتمع ان يحدد موقعه وموقفه من تلك الخطابات من خلال هذه التعددية التي تشكل المنهج الثقافي بوصفه قادرا على توظيف اية تيمة منهجية تخدم قراءة النص!! * ألا ترى ان الكتابة حول هذا الموضوع خصوصا المرأة في مثل مجتمعاتنا العربية.. فيه شيء من المغامرة والجرأة والحساسية المفرطة؟ لا ارى ذلك بتاتا فالبحث هو بحث اكاديمي لا يقدم احكاماً معيارية تختلف مع ما يطرح من رؤى وجماليات في الروايات المدروسة، ما قمت به لا يتجاوز كونها استكشافا في سياق يحاول وضع النقاط على الحروف وبالتالي لم اكن في بحثي مغامرا، ولا جريئا، ولا مثيرا للحساسية المفرطة.. كنت كما أظن دارسا، باحثا، قارئا، واصفا، لا اكثر ولا اقل، من هنا لا أتوقع لبحثي بعد ان ينشر باذن الله ان يثير أية حساسية في مجتمعنا العربي الذي غدا اكثر وعيا مما نتوقع. * كلمة أخيرة؟ لك مني يا اخ علي التحية المفعمة اعجابا بثقافتك الصحفية الواعية. واتمنى لثقافة الجزيرة ومن يشيدها من الزملاء الاعزاء المزيد من العطاء والتوهج، متمنيا للجميع العافية، وسعة الصدر تجاه هفواتي والله الموفق.