لا أعلم مَنْ وراء تسمية ما يحدث في بعض البلاد العربية بالربيع العربي، مع أني لا أستبعد أن يكون مغرضاً له أهداف خفية دفنها في هذه التسمية. واعتراضي على هذا الاسم (الربيع العربي)؛ كونه يشمل المسيء والمحسن، وهذا ظُلْم واضح. كان منطقياً ومقبولاً تسمية ما يحدث بخريف العسكر؛ فكل الثورات التي نرى قامت على أنظمة عسكرية جاءت بها انقلابات عسكرية. فثورة الأشقاء في مصر كانت على أحد ورثة انقلاب عبدالناصر، الذي سُمِّي فيما بعد (ثورة). السادات ورث عبدالناصر، وهو عسكري، وحسني مبارك - وهو عسكري - ورث السادات، وقامت عليه وعلى نظامه الثورة؛ لأنه ببساطة لم يأتِ برغبة الجماهير. وليس خافياً أن القذافي جاء عن طريق انقلاب عسكري، وحكم ليبيا بالحديد والنار، ولاحق المخلصين، وقلب ليبيا من مملكة آمنة مطمئنة إلى جحيم يعانيه كل مواطن، وصرف أموال الشعب الليبي على غيرهم بشكل أعمى، وكأن الليبيين ليسوا معنيين ببلادهم؛ فثاروا عليه وعلى طغيانه. وها نحن نرى اليمن تثور على عقيد آخر جاء به إلى منصبه عسكر ومدافع عسكر، وما يحدث في سوريا ليس إلا ثورة شعب مغبون قامت على نظام عسكري، جاء به انقلاب عسكري فئوي، سُمِّي فيما بعد بالثورة التصحيحية، قهر الناس، وخرب البلاد، وفرَّق بين العباد. ولم تكن ثورة الإخوة التوانسة إلا على نظام مستبد، استعمل آلات العسكر وأساليبهم في قمع حريات الناس؛ فهو ليس من الأنظمة العسكرية ببعيد. هذه الثورات لم تقم ولن تقوم على الأنظمة الملكية العربية العريقة؛ فهذه الأنظمة لم تأتِ على ظهور الدبابات وبرشاشات الكلاشينكوف، بل وُلدت من بين الناس، ونمت بينهم، وعاشت معهم على التمر واللبن؛ فهي قريبة منهم، تتلمس أوجاعهم، والناس هم همُّها الأكبر. هذه الأنظمة الملكية أو الأميرية تدرك مشاكل الناس قبل أن يشتكي منها الناس، وتعمل على حل تلك المشاكل، غير أن هذه الأنظمة مثل غيرها من ديمقراطيات العالم تعاني من فساد، ولا تنكر هذه الملكيات وجود هذا الفساد النسبي بل تعترف به وتضع له برامج لمكافحته، وأمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية أكبر دليل على ذلك. إن سعي الأنظمة الملكية والأميرية لرفاه شعوبها وتقربها منهم وتلمس أوجاعهم عاملٌ جعل من الطبيعي أن تنال ثقة ومحبة شعوبها، وعلى هذا الأساس أحببتُ أن يُستبدل باصطلاح الربيع العربي، الذي قلتُ إنه ظُلْم للأنظمة الصالحة، خريف العسكر؛ حيث إن بعض الشعوب ثارت على أنظمة عسكرية كما أشرتُ؛ فمن الظلم مساواة أنظمة طاغية مستبدة جاءت بالقوة والنار إلى كراسي الحكم بأنظمة عريقة تعيش مع الناس همومهم ومعاناتهم.