تصدّر صحيفة الجزيرة عدد الخميس الماضي تصريح مديرة هيئة السياحة البريطانية في الشرق الأوسط «كارول ماديسو»، الذي أكدت فيه أن (السائح السعودي هو الأكثر إنفاقًا على السياحة في بريطانيا بين نظرائه من سيّاح الشرق الأوسط، بمعدل 2300 جنيه إسترليني، أي ما يعادل 13.309 ريالات في الرحلة الواحدة، لا تشمل تذاكر السفر وكلفة الإقامة. مؤكدة أن السائح السعودي ينفق ثلاثة أضعاف ما ينفقه السائح الأوروبي. وقالت ماديسون في مؤتمر صحفي عقدته الهيئة بحضور السفير البريطاني في المملكة السير توم فيليبس: إن عدد السعوديين الذين زاروا بريطانيا في الربع الأول من العام الحالي بلغ 17 ألف زائر، بزيادة 3 آلاف زائر عن الربع الأول من العام الماضي. لافتةً إلى زيادة 20 مليون جنيه إسترليني عمّا أنفقه السعوديون في الفترة نفسها من العام الماضي؛ حيث تشير الإحصاءات إلى 47 مليون جنيه إسترليني أنفقها السعوديون خلال هذه الفترة مقارنة ب27 مليون جنيه إسترليني في الربع الأول من 2010، بينما صرف كامل زوار سنة 2010، وعددهم 79 ألف زائر، ما مجموعه 186 مليون جنيه إسترليني). ويضيف التصريح بأنها (عبّرت في حديثها ل»الجزيرة» عن سعادة هيئة السياحة البريطانية لإطلاق برنامج «أنت مدعو لزيارة بريطانيا»).. هذا في بريطانيا وحدها..!! ومن يحصد كل هذا الرصيد من السياح لا بد أن يطمع في المزيد.. على أن الاقتصاد الوطني بحاجة إلى كل هذه المبالغ، ولاسيما أن هيئة السياحة الوطنية تبذل المضاعف من الجهود، وتقدم العديد من المقترحات، وتنتظر الأكبر من القناعات، بأن قرشك الأولى به بلدك وأهلك.. لا بأس من السفر، وليس غريباً أن يسوح الناس نشدانا للتزود من الخبرات، وتبادل المعارف، غير أن السياحة بالنسبة لأكثرية السعوديين هي للتسوق والترفيه وحصد المستهلك من اللبس والكماليات.. والتنعم بالمناخ البارد.. على أن حب الديار لم يعد يشغف به القلب.. ثم إن أسواقنا تحولت لسوق دولية؛ حيث لا تطلب اسماً لتاجر أوروبي أو شرقي أو غير إلا وتجده قد ارتكن في زاوية, وتصدر واجهة في أسواق مدننا، وبين تجارنا.. السوق السعودي غدا أكبر ساحة لكل ما يتطلع إليه السعودي السائح في الخارج.. لكن يبدو أن ثقافة التنافس في بذل المال، وفتح الذراعين لهواء محطات السفر، تغلب على تفكير ورغبات السائحين السعوديين، الذين هم مصدر إنعاش لكل اقتصاد، في دول تجعل من السائح السعودي مطمحاً.. لذلك سيكون أول من يجيب نداءً لها.. بينما الأولى به أن يستجيب لنداءات السياحة الداخلية.. هناك قصور في معرفة مناطق الوطن، وأماكن سياحتها.. بينما السائحون هؤلاء يعرفون أوروبا, والشرق, والغرب، وما حول الأرض.. ويقيسون شوارعها أكثر مما يعرفونه عن قرية في الوطن، أو شوارع في مدنه.. 47 مليون جنيه إسترليني لو صُبّ جزء منها في خزينة السياحة الداخلية لدفعت بمشاريعها بُعداً إنمائياً, يعود للمستهلك بما يعزز حسه بالوطن، بدلاً من أن يكون الدافع أكبر عنده لمغادرته، كلما هبت أنفاس أوروبا وهواؤها على مخيلته، وهو يستعد للراحة في إجازاته الطويلة والعديدة..!