من أين أبدأ، والتاريخ ذو أمد، والمجد له مولد، كيف أبدأ، والبحر مزبد، وسواحله زمرد، وأشجاره رند.. وقفت ولا بد أن أبدأ، واستعنت بالله... ففي خافقي أسرار وإلهام، أضمرتها فاحتدمت هيام، وتراءت على الشاطئ حيام، تناظر بارقا وقد لمح، وتستتبع خيالاً وقد سنح، وتمتطي جواداً وقد جمح... زادها من رؤوس أسنمتها، وماؤها من هتّان غيمتها، وظلها من عوجا أعمتها... تدين بالفضل شاكرة، وتذكر من الماضي مآثره، وتستوحي منه للحاضر ذاكرة، وتثني عليه من حاضره، تعبر عن الخاطر ومشاعره... تروي قصة أجيال، تحكي مسيرة أبطال، لها في التاريخ عنوان، ولها في سجله ديوان، عجز البيان، وحار الترجمان... أن يفي بمدحها، وأن يوفيها حقها... إنها مسيرة صقر الجزيرة، قادها قائد القادة، وسيد السادة، زعيم الزعماء، حكيم الحكماء... ألا وهو الملك عبدالعزيز، اسم لا يحتاج لتمييز، إمام العدل والسلام، علم فوق الأعلام، بطل تهتدي به الأبطال، مثل يضرب بأعظم الرجال.... إن كانت الأمهات، أنجبت المئات، فأمه أنجبت ولدا، وبه احتفت، ليحرر الجزيرة، ويعيد مجد السيرة.. إنه لنعمة، منّ الله بها على الأمّة، ليزيح به الله عنهم الغمة.. أتى إلى البلاد، بلا زاد ولا عتاد، زاده التقوى، وعتاده النجوى، همته من زاده، وعزيمته من عتاده، دليله أجداده، برهانه أولاده، إثباته أحفاده... قدم في ليلة غراء، في جبين المجد بيضاء، فيها إلى العلا، تحدوه لها الخطى... لم تنم عيون تلك الليلة، لقد أزاحت بضفائر الجديلة، شوقا بلقاء الخليل خليله... فلم يأت صباحها كأي صباح، نور فجر جديد في سمائها قد لاح، أذان فلاح، وهتاف نجاح، وإصلاح وصلاح.. وقف على مشارف الدور، وهي قفار بور، أهلها في قعر بئر معطلة، على بعضها متحاملة، وفيما بينها متقاتلة، فنادي بهم بناء قصر مشيد، ووحدة وتوحيد، وعصر من الحياة جديد.. كانت الرايات بين الناس، التفرقة بين الأجناس، جمعهم تحت راية، هم فيها سواسية.. طلب منهم الائتلاف، وعدم التفرق والاختلاف، أتوه من كل صوب، تآلفت بينهم القلوب، نسوا عظائم الخطوب.. أصبح من كانوا متحاربين، في ظل الوطن متكاتفين، وعلى حبّ الخير متآخين. الدين لهم منهج، العدل لهم مخرج، الكتاب والسنة دستور، والعلم والمعرفة نور... أصبح الجاهل، صاحب علم فاضلا، وأصبح الزيف والضلال زائلا... تطورت المعطيات، ونمت الإنجازات، سابقت الحضارات، نافست الثقافات.. توحدت الجزيرة، وواصل أبناؤه المسيرة، لكل منهم في عصره تجديد، تطوير وتشييد، وبناء مستقبل جيل جديد.. وها نحن الآن، في أمن وأمان، كلنا فخر واعتزاز، بهذا الصرح وهذا الإنجاز، ومن أعماق القلوب، ندعو علام الغيوب، بأن يحفظ أبناء هذا الإمام، وأن يوفقهم لإكمال المسيرة للأمام... ومهما عبرنا، وذكرنا، لا نوفي حق قائدنا، فالقلوب تنبض ولاء، والألسن تهتف ثناء، والأجساد كلها فداء.. وفي الختام، له منا السلام، وله علينا الاحترام، على هذه المبادئ العظام..