مهما كتبنا عن الوطن من مقالات وشعر، ومهما توشّحنا باللون الأخضر وشاركنا في عروض الأفراح والبهجة والاحتفالات، فلن نوفي الوطن حقه.. الوطن هو أكبر وأسمى من كل هذه الكتابات وألوان الاحتفالات، هو الحضن الدافئ والصدر الحنون الذي يحتوي أبناءه وبناته، هو الكيان العظيم الذي أسّسه الباني الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه -، رجل أعطاه الله الحكمة والقيادة والتأثير، رجل منحه الله الحظوة والتوفيق، رجل أيّده الله بالنصر وزوّده بقوة الثبات على الحق والصبر على مجابهة المواقف، في زمن كانت جزيرة العرب تئن من مظاهر الجوع والفقر والمرض، وترزخ تحت وطأة قُطّاع الطرق والمتناحرين والغزاة، الذين كانوا يعيشون في أشبه ما يكون بغابة موحشة، الكبير فيها يأكل الصغير، والقوي يلتهم الضعيف، في أجواء مشحونة تسودها العنصرية والفوضى ويغلب عليها قانون الغزو والنهب والسلب وقتل النفس المحرّمة بدواعي النعرات القبلية والانتقام والثأر، فجاء المخلص عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، لينتشل هذه الأرض المباركة من حياة البؤس والظلمة والتناحر والتقاتل، إلى آفاق التفاؤل والنور والعدل والتسامح، جاء المؤسس ليوحّد هذا الكيان الكبير شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، في بوتقة واحدة ودولة حضارية آمنة تحت مسمّى المملكة العربية السعودية، وبهذا التوحيد ألتمّ الشمل وانهزم الشتات، وتحوّلت الجزيرة العربية إلى واحة سلام ووئام، ولكون هذا المؤسس الكبير قد سخّره الله لخدمة الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومقصد الأمة الإسلامية جمعاء، فقد رزقه الله سبحانه وتعالى بسلالة طيبة متواصلة تمضي على نفس المنهج القويم، تحافظ على الأصل وتزيد في البنيان، فتعاقب الملوك البررة بعد وفاة المؤسس، بدءاً بالملك سعود ثم الملك فيصل فالملك خالد بعده الملك فهد، حتى وصلنا إلى عهد النهضة والإصلاح، عهد الرقي والحضارة والازدهار، عهد التقدم والانطلاق إلى عالم العلم والتقنية، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، وها نحن اليوم نحتفي بالوطن في عامه الواحد والثمانين، نحتفي بشتى مظاهر الفرح التي تفخر بها الأوطان في مثل هذه المناسبات، ومع ذلك هناك ما هو أهم وأجدى من جميع المظاهر الاحتفالية بيوم الوطن، فالوطن الكبير لا ينتظر منا فقط، مقالاً هنا أو قصيدة هناك، أو حفلاً ساهراً أو ألواناً زاهية، بقدر ما يحتاجه منا من الإخلص والعمل الجاد والتأثير الإيجابي بالأفعال لا بالأقوال، فنحن وطنيون ووطننا يفخر بنا مثل فخرنا به عندما نقف جميعاً ضد الإرهاب، وعندما نحاول جميعاً مسؤولين ومواطنين أن نقضي على آثار البطالة، بتوفير الفرص المتاحة للشباب والفتيات والانخراط في الأعمال الشريفة التي تساهم في تطوير الوطن وتنميته، وطنيون عندما نحارب المخدرات ونحمي أبناءنا وبناتنا من براثنها وشرورها، وطنيون عندما نحافظ على الممتلكات العامة ونبلغ عن أي إساءة لها، وطنيون عندما نمثل بلادنا خير تمثيل ونظهرها بالصورة التي تليق بها أمام الآخرين، سواء من خلال تعاملاتنا مع الوافدين في الداخل أو تعاملاتنا أثناء سفرنا إلى الخارج، وطنيون عندما نتحدث بصدق وأمانة عن بلادنا من خلال المنابر ووسائل الإعلام التي تتيح للآخرين التعرف على حقيقة هذا الوطن المعطاء وأهله الشرفاء، وطنيون عندما نحمي بلادنا من مظاهر التخلّف ونبلّغ عن مخالفي أنظمة الإقامة والمتسولين، وطنيون عندما نتعاون مع أجهزة الأمن المختلفة للحفاظ على أمن الوطن واستقراه، وطنيون عندما نساهم في نظافة الوطن ابتداءً من المنازل مروراً بالأحياء وصولاً إلى كامل أرجاء الوطن من خلال الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية الفاعلة، وطنيون عندما نتعاون في دعم الأعمال الخيرية التي تحث عليها الدولة وتمليها علينا المواطنة الحقّة، وطنيون عندما نحترم الأنظمة والتعليمات المرعية التي تشعرنا بالمساواة والعدل أمام القانون، وطنيون عندما نثبت للآخرين بأننا مجتمع عملي وفاعل للنهوض بمستوى الوطن إلى آفاق أرحب، وطنيون عندما نشارك في كل عمل تطوّعي لخدمة الوطن، وطنيون فاعلون عندما ندرك أننا محط أنظار العالم لعظمة هذا البلد دينياً وسياسياً واقتصادياً ونتصرف كما يليق بنا كسعوديين، وإجمالاً فإننا إن لم نكن كذلك وأكثر فليس الوطن بحاجة إلى احتفالاتنا وقصائدنا ومقالاتنا، وكل عام وأنتم والوطن بألف خير.