لقد جاءت الكلمة السامية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من على منبر مجلس الشورى كلمة في غاية الإيجاز، ولكنها تحمل الكثير من الإشارات والمضامين المهمة، وقد تزامنت مع احتفال المملكة العربية السعودية بالذكرى الحادية والثمانين لليوم الوطني الذي تم فيه توحيد هذه البلاد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - طيب الله ثراه - فقد كانت الإشارة الأولى في هذه الكلمة السامية التي افتتح بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة للحديث عن الملك عبدالعزيز ورجاله، وعن معجزة التوحيد والتأسيس لهذه الدولة الفتية، حيث أشار - يحفظه الله - إلى الوحدة الوطنية التي تحققت فيها وحدة القلوب بين القيادة وأفراد الشعب السعودي، وذلك في إشارة إلى توافق هذه الكلمة مع تلك الذكرى الغالية والعزيزة على قلوب الجميع. في هذا الصدد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الواجب الوطني الخاص بالمحافظة على هذا الميراث العظيم، وأن من الواجب أيضاً عدم التوقف عنده، بل يجب العمل على تطويره وتحديثه بما يتفق مع تعاليم الشرع والقيم الإسلامية، وفي ذلك تأكيد على أن التطوير والتحديث والتنمية هي من ركائز السياسة التي تقوم عليها الحكومة في هذه البلاد، كما أشار - يحفظه الله - إلى أن مسألة التحديث والتطوير أمانة ومسؤولية لا مجال للتأخير أو للتردد في أدائها في هذا العصر المتجدد والذي لا مكان فيه للمترددين والمتخاذلين والمشككين، وأن من واجبنا العمل على تجاوز كل العقبات التي تواجهنا في سبيل التطوير أو تقف في طريقنا. ويشير ذلك إلى العزيمة والإصرار على المضي في تنفيذ خطط التنمية الشاملة ومصاعب هذا العصر مهما كانت الصعوبات والتحديات التي تواجهنا، ثم أشار - يحفظه الله - إلى ناحية مهمة جداً، كثيرا ما يشير إليها ويؤكد عليها وهي أن عملية التحديث ينبغي أن تتم بالتوازن بين قيم الإسلام ومستجدات العصر، وهذا هو النهج الذي تسير عليه هذه البلاد منذ تاريخ تأسيسها إلى اليوم وفي المستقبل، وهذا التوازن هو ما جعل بلادنا تحتل هذه المكانة من الاحترام والتقدير من جميع دول العالم. ثم انتقل خادم الحرمين الشريفين إلى الحديث عن دور المرأة والإشارة إلى دورها الفاعل في التاريخ الإسلامي منذ عهد النبوة والصحابة في تقديم الرأي والمشورة، وأكد - يحفظه الله - على رفض تهميش دور المرأة السعودية وقال: لقد تم التشاور مع عدد من العلماء في هيئة كبار العلماء وخارجها، وأيدوا التوجه إلى تفعيل دور المرأة. وبناءً على ذلك أعلن عن قراره التاريخي بمشاركة المرأة في عضوية مجلس الشورى اعتباراً من الدورة القادمة، وفي عضوية المجالس البلدية، وأنه يحق لها الترشح وترشيح غيرها وفق الضوابط الشرعية. وقد رافق الإعلان عن هذا القرار الحكيم عاصفة من التصفيق داخل قاعة مجلس الشورى كما وجد هذا القرار ترحيباً من قبل المواطنين والمواطنات، وتناقلته كثير من المواقع الإلكترونية ووكالات الأنباء العالمية بكثير من الارتياح والترحيب. ويدل هذا القرار على سعي حكومة خادم الحرمين الشريفين في دروب التنمية بخطى ثابتة ومدروسة، وعلى اهتمامه - يحفظه الله - بتفعيل دور المرأة التي سبق أن أشار في مناسبات عديدة إلى أن المرأة هي الأم والأخت والزوجة، وأنها شريكة لأخيها الرجل في مسيرة التنمية المستدامة. وبلا شك فإن هذا القرار فيه تأكيد على إنصاف المرأة ورعاية حقوقها، وتفعيل لدورها في صناعة القرار بتقديم الرأي والمشورة لولاة الأمر مع أخيها الرجل. وكلنا نعرف أن للمرأة مشاركة ودورا فاعلاً في أعمال مجلس الشورى كمستشاره خلال الدورات الماضية، وقد بلغ عدد المستشارات في المجلس (12) مستشارة، تحال لهن الكثير من الموضوعات ذات العلاقة بالمرأة، وباختصاصاتهن الأكاديمية وخبراتهن العلمية، ويقمن بدراستها وإبداء مرئياتهن حولها. لقد كان عطاؤهن متميزا فيما أحيل لهن من مواضيع عديدة، أشاد بها رؤساء اللجان وأعضاء المجلس، وتضمنت الأعمال التحضيرية للجان ورأيهن في المواضيع المدروسة في المجلس، كما أن مشاركتهن في المؤتمرات البرلمانية الخارجية مثار إعجاب الوفود الخارجية المشاركة في مداخلاتهن المتميزة. ويعتبر هذا القرار السامي الحكيم تفعيلاً وتتويجاً لدورة المرأة في أعمال مجلس الشورى، وأعمال المجالس البلدية. وختاماً... فقد كانت تلك الكلمة القصيرة كلمة موجزة، وذات إشارات ومضامين تدل على حكمة قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي عودنا دائماً وفي جميع خطاباته على تقديم كل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن. ولذلك لم يغفل - يحفظه الله - في ختام كلمته عن الإشارة إلى الحقوق والواجبات، والتأكيد على أن من واجب الدولة على المواطنين تحقيق كل ما فيه عز المواطن وكرامته ومصلحته، وأن من واجب المواطن تقديم الرأي والمشورة التي هي من صميم أعمال مجلس الشورى. (*) مساعد رئيس مجلس الشورى