يوم الوطن في رؤيتنا الوطنية يومٌ استثنائي في تاريخ الأمَّة السعودية، يدفعنا من جديد لقراءة تاريخية متأنية وواعية لتلك الملحمة الجهادية الكبرى التي قادها الملك عبد العزيز آل سعود- رحمه الله-، ومعه أبناء شعبه، لتوحيد شتات الجزيرة العربية في كيان وطني كبير، بعد أن عاث بها وبأهلها التمزق والتشرذم أزماناً ودهوراً طويلة، ووقعت تحت وطأة الجهل والبدع والثقافات المتخلفة التي لا ترعى إلا ولا ذمة، فأحالت الناس إلى فئات وجماعات وقبائل متنافسة ومتناحرة, شذراً مذراً، وأحالت مناطق الجزيرة إلى كيانات منفصلة تقاتل بعضها بعضا، تسودها شريعة الغزو ونقض المواثيق والاعتداء على الحقوق والممتلكات. من أبرز ملامح هذه الملحمة الجهادية تبنيها للإسلام عقيدة ومنهج حياة، لبناء مشروع نهضة الأُمَّة وتحويل شتات الجزيرة، وفوضى سهولها ووديانها إلى دولة قوية متماسكة بقبائلها وأفرادها وطوائفها وفئاتها، وإلى دولة تحتضن العلم والمعرفة، والبناء والتنمية. وهذا إنجازٌ وسفرٌ تاريخي عظيم الشأن، كان العامل الحاسم في نجاحه تلك الإرادة الصلْبة، والإدارة السياسية والعسكرية الفذة للقائد المؤسس، إضافة إلى همة وبأس هذا الشعب العظيم. لم تقتصر ثمرات هذا الإنجاز التاريخي الكبير على المشهد المحلي فحسب، بلْ تجاوزته إلى المشهدين الإقليمي والدولي، عبر تبوؤ المملكة العربية السعودية لمكانة عالمية مرموقة، مكَّنها من القيام بأدوار مهمة على صعيد التضامن الإسلامي، ولمِّ الشمل العربي، والمحافظة على السلم العالمي. في هذا اليوم الأغر نستذكر عبق ماضٍ مجيد، وحاضرٍ مشرق، ومستقبلٍ واعد، لنعمل معاً كباراً وصغاراً شيوخاً وشباباً رجالاً ونساءً للمحافظة على هذا الكيان الكبير، ودعم وحدته، والذود عن حياضه، ولن يتأتى ذلك إلا بالتمسك بخيار الوحدة الوطنية، وتعميق أواصر السِّلم الاجتماعي، ونشر ثقافة المحبة والتسامح والاعتدال والوسطية، ولغة الحوار، بين أفراده وطوائفه، وأنَّ هذا الوطن يتسع لجميع أبنائه بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم الفكرية، وترسيخ القناعة بالمعاني النبيلة، والقِيم السامية، لرسالة الإسلام الداعية للسلام والأمن لكل الخلق، و التعايش بين الأديان في جيرة كونية ترتكز على قواعد العدل والتعاون والاحترام المتبادل، والإعلاء من كرامة الإنسان وحرمة دمه. إلى جانب ذلك كله فإننا مطالبون بالعمل بهمة عالية على بناء المزيد من الخطوات الاقتصادية والاجتماعية لترسيخ العدالة الاجتماعية، وتوظيف الموارد، وتوطين المعرفة والتقنية، وتطوير المنظومة الإدارية والإنتاجية في كافة قطاعات الدولة، وتعزيز قِيم الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص، بنسق متوازن على امتداد مناطق وقرى هذا الوطن العزيز، وبما يتماهى مع متغيرات العصر، ومتطلبات اقتصاد المعرفة، وتحدي العولمة الاقتصادية، والمنافسة المتصاعدة في سوق المنتجات والخدمات على مستوى المنظومة العالمية. كلمة أخيرة: أملٌ ودعاءٌ من كل الأعماق بأن يظل هذا الوطن العزيز بإذن الله بدينه، ثمَّ بمحبة وانتماء أهله، وهذا الحكم الرشيد، ينعم بواحة الأمن والاستقرار، والبناء والتنمية والعمران لا تستبد به مخاطر الانقسامات والصراعات والأزمات. وأن ينعم مواطنه بحياة أفضل، وتفاؤل أوسع وعدالة أشمل، يحفها شرف الانتماء وإشراقة الضمير. خاطرة: الوطن عزة وكرامة وصحوة وجدان وصبر وعزيمة وقوة إيمان