في بداية كل فصل تشريعي أو برلماني تحرص الدول على بدء أعمال ذلك الفصل الذي يدشنه ملك البلاد أو رئيسها على أن تكون باكورة عمل مجلس الشورى أو البرلمان أو أن يجتمع المجلسان في وقت واحد في الدول التي لها مجلسان، نواب وشورى أو مجلس للشيوخ وآخر للنواب أو برلمان وللأعيان كما في بريطانيا. الخطاب الذي يستهل النشاط البرلماني عمله يسمى في بريطانيا بخطاب العرش، وفي أمريكا بخطاب حالة الاتحاد، وفي الدول الأخرى ببيان عن سياسة الدولة إذ يحوي ذلك الخطاب ما تنوي الحكومة تنفيذه في السنة القادمة التي استهل البرلمان أو مجلس الشورى عملها. إذن فالخطاب الملكي الذي استهل به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعمال السنة الثالثة في الدورة الخامسة لمجلس الشورى يعد خطة عمل الحكومة، وخارطة طريق للدولة للسير قدماً في تحقيق التنمية الشاملة ومواصلة نهج التحديث والتطوير مع التمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية وفق الشريعة الإسلامية. محاور الخطاب احتوت مضامين عدة، منها تأكيد الثوابت والمبادئ والقيم وتذكير برحلة جهاد الملك المؤسس ورفاقه من رجال المملكة الذين أورثونا دولة كبيرة لها مكانتها الإقليمية الدولية لا تفرض علينا صيانتها بل تطويرها وتعظيمها من خلال مواصلة العمل الجاد في دروب التنمية والتطوير، إذ يقول الملك: (كفاح الملك عبدالعزيز وحد القلوب والأرض والمصير وعلينا أن نصون هذا الميراث وأن نزيد عليه). ويعني هذا أن لا نظل ندور في دائرة الإنجاز الذي تحقق بل المواصلة ومقارعة التحديات، (لن توقفنا عقبات العصر ما التزمنا بالأمانة والمسؤولية تجاه ديننا ومصلحة وطننا). هذا التأكيد على الثوابت ومواصلة العمل كما يذكر الاستمرار في عملية التطوير وتحرير الاقتصاد بانتهاج أسلوب التحديث المتوازن الذي يعد مطلباً هاماً في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، إذ إن خوض غمار التنمية وتحديث المجتمع وآليات العمل والتعامل والتطوير لا يمكن لأي دولة أو مجتمع مهما كبر أن يتخلى عن هذا التحدي المشروع الذي يعظم الوطن ويعزز الدولة من خلال العمل على استقرار الوطن الذي يعد صمام الأمان والذي لا يمكن للدول أن تنمو وتتطور بدونه، ولهذا أكد خادم الحرمين الشريفين في الخطاب الملكي بأنه لم ولن يسمح بتهديد الوحدة الوطنية ولا السماح باللعب على أوتار الصراع المذهبي وإحياء نعرة القبلية. هذه هي خارطة الوطن التي يجب أن نمشي عليها.