تشرق علينا شمسُ يومٍ وطني جديد، فتبعث فينا ذكرى حب جديد لوطن حبيب، ذكرى يوم رأينا فيه وطننا عزيزاً كريماً، مفعماً بالآمال العظام، يسابق الزمن ليستدرك ما فاته، وليلحق بمن سبقه. هذه ذكرى تطل علينا من جديد تشدنا إلى وطننا وأمتنا، تبعث فينا روحاً من المحبة والولاء الخالص للوطن وقادته حفظهم الله. أليس الوطن أرضاً عاش على ثراها الأجداد، فرووها بعرقهم ودمائهم، وعمروها بجهودهم وإنجازاتهم؟ أليس الوطن هو التركة التي يرثها منا الأحفاد عامرة بكل خير؟ فكيف نريدها لهم؟ إننا نريدها لأبنائنا واحة للخير والعطاء، يتنسمون عبيرها عمراناً وحضارة وعزًّا ورخاءً. فمن منا لا يحب وطنه؟ بل مَنْ مِنَ البشر مَنْ لا يحب وطنه؟ ولكن الحب الحقيقي ليس هو الشعور الجياش، والعاطفة المتوهجة، بل هو الترجمة العملية لهذا الحب، إلى عمل وإنجاز، إنه التزام، كلٌّ منا في مجال عمله: المسؤول في مسؤوليته، والعامل في عمله، والمدرس في مدرسته، والموظف في وظيفته... لقد خلقنا الله لعبادته، وجعل عمارة الأرض جزءًا من هذه العبادة، ومَنْ أحق بالعمارة من أرضنا، من وطننا الحبيب؟ فالإيمان في ديننا مقترن بالعمل، والجدية والإخلاص، فالإيمان هو الطاقة الدافعة، والعمل هو الإنجاز، والغاية هي رضوان الله. وقد نهض بعمارة هذا الوطن ولاة أموره، الذين أسسوه ووحدوه، ورعَوه حق رعايته، وقام على بنائه أبناؤه المخلصون، جيلاً بعد جيل. بنوه بالجهد والإخلاص، أعطوا ما عندهم، وسلمونا الراية، لنبذل كل وسعنا في العمل والبناء، لنسلمها لمن بعدنا عالية خفاقة، قوية عزيزة. لقد أراد ولاة الأمر، حفظهم الله، لهذا الوطن أن يكون وطناً للعدل والتسامح، وطناً للعلم والعمل، للتقدم والرخاء، وكان من توفيق الله لهم أن آمنوا بأن الأوطان تُبنى بالعلم، فهيؤوا له كل أسبابه: مدارسَ ومعاهدَ وجامعات بدأت تتبوّأ مكانتها بين الجامعات العالمية، ففي عهد خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله ورعاه، نشهد جامعاتٍ جديدة تُبنى، وتوضع لها ميزانيات كبيرة يصلح بعضها أن يكون ميزانية لدولة لا لجامعة، وما على القائمين على هذه الجامعات إلا العمل والإنجاز، ولا عذر للمقصرين. ولكن المدارس والجامعات ليست مجرد أبنية جميلة تتوفر فيها كل وسائل التعلم وأدواته، وليست مناهج حديثة يضعها المختصون، فحسب، إن الجامعات يَعْمُرها الرجال العاملون المخلصون، إنهم المدرسون المؤهلون المؤمنون برسالتهم، المحبون لأوطانهم، والطلبة المقبلون على العلم، الذين يؤمنون بأن بناء الأوطان من الإيمان، وقد وفرت لهم حكومتنا الرشيدة كل الوسائل إلى العلم، وما عليهم إلا الإبحار فيه، سواء في داخل البلاد أو في خارجها. ونحن، في جامعة الحدود الشمالية، نرى بأم أعيننا جامعة جديدة تأخذ طريقها إلى النور، وصرحاً من العلم يُبنى، في هذا العهد الميمون، وقد عقدنا العزم على أن نبذل وسعنا لنجعلها جامعة مكتملة الأركان، تتبوأ مكانها بين الجامعات المرموقة ترفد الوطن بشباب مؤهلين يسهمون في بناء وطنهم، وخدمة أمتهم. وبهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا، نتقدم إلى خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، بالتبريكات والدعاء أن يمد الله في عمره ليواصل مسيرة النماء والعطاء، والتقدم والازدهار. كما نبارك لسمو ولي عهده الأمين، حفظه الله، ولسمو النائب الثاني، ولجميع أبناء وطننا العزيز. (*) مدير جامعة الحدود الشمالية